كيف لنا ان نتخلص من هذا الألم الابدي، الذي يجثم على قلوبنا ويحبس انفاسنا؟ كيف لنا ان نرفع اصواتنا في حضرة المحكمة ونحن مقيدو الايدي والارجل وامامنا مقاصل وحيوانات مفترسة ببطون جائعة؟ كيف لنا ان نتحمل كل هذا ونحن نعلم ان عقاب الالهة أبدي “سيزيفي”؟ … اننا نكافح كفاحا مريرا من اجل ان يستمر الخطأ، اننا نحمي الجلاد ثم نأتي بعد ذلك لنعدم الضحية على موائدنا الصامتة.
لم تكن امينة اول منتحرة بسبب انحطاط الانسانية وموت الضمير، سمعت بقريتي قصصا كثيرة لفتيات انتحرن، بقيت حكاياتهن الممزوجة بحرقة الالم تطوف مع ارواحهن الهاربة الى ان اسدل الستار عن “الكلام” وعمتنا جميعا لعنة “النسيان” … انتحرت بقريتي، كريمة وربيعة وخذيجة.. وربما اخريات لكن لم اسمع عنهن، قد يبدو فعل الانتحار هنا صادما، محزنا وغير مستحسن، لكن، لنكن اكثر واقعية، ولنحاول النفاذ الى ما وراء الفعل.. كيف لنا ان نفسر انتحار طفلة في عمر الزهور، في فترة من الحياة حيث تكون الذات مغمورة بمشاعر الامل والحب والبحث عن السعادة واللعب بالدمى… هو ليس انتحار عدمي او اصطدام سيارة ” البير كامو” بجدع شجرة في طريق مجهولة المسالك والجغرافيا.
لكنها جريمة قتل مع سابق الاصرار والترصد، ان اثار الجريمة هنا، او لنقل انتحار كريمة لم يكن الا نتيجة لسلسة من الاجراءات العرفية والقانونية القاسية، بدأ بالأسرة التي عوض ان توفر لابنتها الحماية النفسية والمادية والعلاج اللازم للفعل الوحشي الذي طال الروح قبل الجسد، ذهبت لتبحث وبعمى اسود يقصي كل العواطف والعلاقات الانسانية، عن مزاعم شريرة ومبررات من مساحيق الجهل التي اعتقدت انها ستمحي ما لحق شرف الاسرة من “عار” .
انه الخوف من الانثى و رهاب العار، الذي احتقر المرأة وبتر عضوها الانثوي، خوف يدفع بالجسد الى وأد نفسه في بحث عن السلام والسكينة، بعيدا عن صرخات جراح الذات العميقة التي لا تسمعها الاذان الحية… ماتت امينة او لنقل عاشت طفولة قاسية اغتصبت حياتها مستقبلها ابتسامتها… قبل جسدها، ولونت كل احلامها بالطلاء الاسود، بعد أن منعت الفراشات الملونة من لمس خصلات شعرها … ولم تجد امامها من خيار سوى النوم في سلام بقبر عله يكون المنفى الاخير بعيدا عن الوخز الحرق امام اهمال العدالة وسوء فعل القانون.
ماتت امينة اليوم، وبالامس كانت زوجة تتلقى الصفعات وتعيش كابوس الجنس ”الألم” مع مغتصبها، الرجل الذي مكنه القانون من الفرار من العقاب، وأي عقاب هنا سيعيد للمغتصبة حقها المسروق؟ نعم، لقد اختاره القانون زوجا لها، ليخلص “المفترس” من العقاب، ولتستعيد الاسرة شرفها “العار”؟
اي قانون هذا الذي يحمي الجلاد ويدين الضحية؟
لا بد لكل المجتمع برجاله ونسائه ان يناضلوا من اجل اسقاط هذا القانون، المادة 475 من القانون الجنائي، التي تجنب المتهم العقاب بتبرئته من تهمة الاغتصاب في حالة زواجه من ضحيته.
سيخرج غذا كل الغيوريين على الحرية وحقوق الانسان، للاحتجاج على تواطئ القانون مع عرف المجتمع، سيندد انصار الحرية وسيقولون، كفى… نريد قانونا يعمل على ضمان حقوق الناس وحمايتهم، لا قانونا يخضع لسلبية الواقع عوض العمل على تغييرها.
16
مارس
2012
أمينة لم تنتحر … بل قُتلت !
هذه التدوينة ادرجت ضمن تصنيف المرأة, المغرب, حقوق الإنسان.
تعليق واحد على أمينة لم تنتحر … بل قُتلت !
أرجو أن تكون استراحت من القهر والظلم بموتها هذا… لابد للعقل أن ينتصر يومًا، ولكن هذا سيأخذ أوقاتا طويلة حتى تنقشع عصور الجهالة التي مازالت تعيش فيها الأغلبية من مجتمعاتنا…