تناولت في سلسة المقالات هذه, اتحدى زرقاء اليمامة, ثلاث مواضيع مهمة بتصوري تقف عائقا امام انطلاقنا نحو الحداثه, وما بعد الحداثه, الموضوعه التي اجتاحت الغرب بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت تلك المواضيع :

1- البطريريكيه, ولما كانت هذه التسميه تلتصق بالكنيسة في الغرب فانا افضل استخدام عبارة الابويه Patrimony.

2- دور العائلة في مجتمع المدينه اساسا, لأن العشيره تلعب نفس الدور في الريف, ولكن وجدت ان العشيره احتفظت بدورها حتى في المدينه لا بل العاصمة بغداد وبالتالي اعاقت كل تنظيمات المجتمع المدني, من نقابات وجمعيات لا بل حولتها الى فرع لعشيرة قيادة تلك التنظيمات.

3- الدولة الريعية؛ أي الدولة التي تعتمد في ميزانيتها على تصدير النفط. هذا الشكل من الدولة رسخ قيم العشيرة والأبويه والنفعية والتملق و الفساد بشكل واسع في هذه الدول. وبنفس الدرجة من الأهمية فإن الدولة الريعية لا تنمي الاقتصاد او بتعبير ادق لا تقوم بتنمية شامله او تنمية مستدامه. وقد شاهدنا ان هناك علاقة عكسية بين الديموقراطيه وارتفاع عوائد النفط وهو عكس ما يحدث في الغرب.

ولما كنت اؤمن بان عصر الايديولوجيات قد ولى واننا انتقلنا من عصر ” موت الالهة الى موت الايديولوجيات” فلم اقدم ايه ايديولوجيه لتفسير الضواهر لا بل استندت فقط على استنباط او استقراء للضواهر تلك.

لماذا اخترت العنوان الفرعي – الفياكرا او الفياغرا الفكريه-؟ عندما وصل انتاج هذا ” المقوي” الى اسواقنا ارتسمت البسمة على وجوه العديد من الذكور, وسمعتهم يتهامسون ويخططون لخداع النساء, لان المقوي هذا مكنهم من الانتقال من سرير الى اخر دون الحاجة الى القلق على الامكانيات الطبيعية للرجل, وكانوا جميعهم يحتذون حذو ذلك الخليفة العباسي الذي وحسب كتب التاريخ امتلك, اي نعم امتلك, اكثر من 900 جارية وغلام. فلو قسمنا عدد الجواري والغلمان على عدد ايام السنه فانه توجب على ذلك الخليفة ممارسة الجنس مع ثلاث يوميا, ويجب ان لا ننسى انه لم يرد في كتب تاريخنا اية اشارة لاختراع الفياكرا ان ذاك. فاستنتجت ان هذا الاكتشاف العلمي” المقوي” سيستخدم عندنا في مضاعفة اضطهاد المراة, مثله مثل اختراع مكبرات الصوت والتلفاز التي تزعق ليلا ونهارا بتفوق الرجال على النساء. فاستعجبت من خلونا وحاجتنا الماسة الى فياكرا فكريه.

يقول سارتر: الجحيم هو الآخرون. ويفهم العقل الابوي عندنا الآخرون بانه المرأة المستعدة للتنافس معه في الحكم والثروة. ولكي لا اُفهم خطأً, ليس المقصود بالأبويه الأب البيولوجي, بل هو المجتمع الذي تتجسد السلطة في الإرادة الفردية وعبر العادات والأعراف المتناقلة والمتوارثة في الغالب سماعيا, وليس على مجموعة قوانين او علاقات موضوعه. وفي المجتمع الأبوي ينشأ الصراع بين الأب والابن ليُخضع الابن لاحقا وفي النهايه لا تبقى سلطه غير سلطة الأب. و تنحر الحرية الطبيعية وتتحول إلى كابوس من السلطات المفروضة قمعا. ويسهر الكل لسلطة واحدة هي سلطة الأب. وتعاني المرأة هنا إلى اضطهاد مزدوج. ويتجلى بوضوح في وضع المرأة عندنا, ما قالته إحدى ابرز مثقفي مابعد الحداثه سيمون دي بوفوار في ان ” المراة لا تولد امراة ولكنها تصبح كذلك”.

ان الابويه منغلقه على نفسها وتمسكها بأنماطها وأشكالها التقليديه يحمي نظاما فكريا يرفض التغيير ولا يقبل أي شيء ما لم ينسجم مع قيمه وأفكاره ومعانيه. ولهذا فإن الأبوية تمنع الخلق والإبداع وتشجع الحفظ والتكرار الممل, تشجع السرد على الاستنتاج. كما وأن الأبوية تضع النص التراثي فوق كل نص آخر. وهذا ما أنتج مؤسسات تعليمية ونظم تعليم متخلفه وغير قادرة على حل أبسط المشاكل التي تواجه المجتمع, فنجد أنفسنا مضطرين للإستعانة بشركات عالمية استشارية. إن الأبوية, في كل ما مر أعلاه, وبعد احتكار التفسير لنفسها, أدت إلى عدم التواصل العقلي بل استعيض عنه بالحنان الوجداني, حيث يغّيب المعنى لصالح البلاغة الخطابية, مما يعطي أجازة طويلة للفكر. وتستند الخطابة على إثارة العاطفة وليس استنهاض العقل, فيتخلف الوعي الذاتي.

حكمنا الناصريون والبعثيون, عبر سطوه العاطفة العربية في الأمة الخالدة ودخول الجنه وأننا افضل أمة ….. وزعقت وسائلهم الدعائية ليل نهار بذلك, لا بل مناهجهم الدراسية أيضا و قطاع الثقافة , وفرضوا مفاهيمهم من امتلاك الحقيقة المطلقة الوحيدة والسعي من اجل الوحدة الكلية وليس الوحدة التعددية, اي الذوبان في الماهية الواحدة او التي اطلق عليها انا ” الكل يحب البدنجان”. إن هذه الأبويه المطلقة وفرت الأرضية الخصبة للدين السياسي بشعاراته العاطفية وجهل الشارع, من استقطاب الشارع جله لصالحها.

في الحلقة القادمة –ب- سنتطرق إلى كيفية استخدام الفياكرا الفكريه. او ما العمل؟

اثـــــير حـــــــــــداد