اذا افترضنا ان مساند الديموقراطية, أو سيقانها, هي النمو الاقتصادي ونمو دخل الفرد, وان حقوق الإنسان ترتبط برفع المستوى التعليمي والمعرفي, كحق من حقوق الإنسان, نصطدم بحقيقة صارخة بشعة بأن ذلك ليس هو الحال في المجتمعات أو الدول العربية المنتجة للنفط والمتخمة بريعه, أو التي تسمى دولا ريعية, رغم وجود برلمانات في بعضها, ودورات انتخابيه برلمانيه. إن ما يفرزه الواقع, وهو ما طرحناه في سلسله المقالات هذه, أن نمو الدخل إن كان وطنيا ام على صعيد الفرد الواحد لا يجلب معه نمو في الديموقراطيات, الا في حدوده الشكلية فقط.
ولنعاود طرح السؤال بشكل آخر, او بشكل مبسط, لماذا تؤدي الزيادة في الدخل الفردي والدخل القومي في الدول الريعية إلي تراجع الديموقراطية ؟ وهنا لسنا في معرض تحليل تجربه معينة بذاتها, بل محاولة فهم الأسباب العامة لتلك الضاهرة, ولكن لا بد من الإشارة إلي تجربة العراق في النصف الثاني من السبعينيات من تحول العراق من انفراج نسبي في الحريات العامه في بداية السبعينيات إلي دولة ممركزه شديدة الاستبداد منذ نهاية السبعينيات, وهذا تزامن مع الارتفاع الهائل والمفاجئ لعوائد النفط والتي تبددت جميعها عبر مغامرات الاستبداد تلك, كما لا يفوتنا, كمثقفين وباحثين, ان هناك ملامح حقيقيه في النظام الحالي من التراجع الحقيقي أيضا عن الديموقراطيات النسبية المتحققة بعد 2005, وهذا أيضا, أي التراجع جاء متزامنا مع ارتفاع مداخيل الريع العراقي بشكل جنوني والناتج عن عاملين أساسيين هما: ارتفاع أسعار النفط وارتفاع حجم الصادرات النفطية الغير مبرره إطلاقا لعدم قدره الاقتصاد العراقي على امتصاص تلك العوائد, كما وانه في نفس الوقت يمثل إهداراً لثروة الأجيال المستقبلية. تلك الأمثلة مجرد تحذيرات من القادم الذي اصبح قريبا ولكنه كان موجودا سابقا.
ولنعد إلي جوهر موضوعنا ألا وهو : لماذا تصاب الخطوات الأولى للديموقراطية بكسر السيقان في البلدان الريعية حالما نشاهد نهوضا اقتصاديا, حتى وان كان بحدوده الشكلية, أي زيادة المداخيل دون تنمية اقتصاديه ؟ مما يفرز لنا ضاهرة أن العملية الديموقراطية بكاملها وكذلك الحريات العامه والخاصة في تعارض مع زيادة واردات النفط.
ولكي نبدأ في بناء حوارنا هذا يتوجب علينا أن نوضح مفاهيمنا أو بمعنى آخر نحددها. ما هي الدولة الريعية ؟ سنأخذ هنا ابسط التعريفات وهي ” الدولة التي تعتمد في ميزانيتها على واردات تصدير النفط “. وكلمة ريع مشتقه من كلمة Rent ، وتتميز هذه الدول في أن غالبية المؤسسات وقوة العمل محصورة في التوزيع, والاستهلاك. أما مجال أو قدرة هذه الدول أو دورها فيمكن تبويبه بالشكل التالي:
1- الاقتصاد:- ينحصر دور الدولة فيها بمنح إجازات الاستثمار والتنقيب والاستخراج وتصدير النفط وجباية العوائد.
2- السياسة:- توزع المناصب فيها ليس على أساس مبدأ الكفاءة والمواطنة، بل على أساس الولاء والقربى للسلطة والحاكم.
3- وعي القادة السياسيين:- الريع في هذه الدول مرتبط بالأسواق العالمية وهي ,السوق, التي تحدد سعر النفط وكمياته. وهذا أدي إلي وعي مشوه للقادة في العلاقات بين العوامل الخارجية والداخلية في بناء الوطن والحفاض على السيادة. فالسلطة تستطيع استيراد القوى العاملة من الخارج, ليس بسبب رخص العمالة الأجنبية كما تدعي بل بسبب هشاشه مقاومة العمالة الأجنبية لإجراءتها القمعية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن العمالة الأجنبية تمكنها من الضغط على مواطنيها كما تشاء. وهذا ما يفسر استخدام معمر القذافي للعمالة الأجنبية كمقاتلين ضد أبناء بلده.
الذي نشاهده في هذه الدول, أن هناك نموا اقتصاديا وليس تنمية اقتصادية حقيقية. بمعنى أننا نشاهد نموا في الدخل والناتج عن تصدير النفط إلي السوق العالمية دون مراعاة احتياجات السوق الداخلية لحجم تلك الأموال والتي هي بالعملات الأجنبية, وإهمال لبناء البنى التحتية وإهمال التطوير النوعي للتعليم والصحة والمهارات, وكذلك إهمال القطاع الخاص . وسنحاول أن نعطي إجابه عن كيفيه نمو الميل نحو احتكار السلطة والتفرد بها, فيما يلي.
تبرز في العراق بين الحين والآخر أزمة المشاركة في السلطة, وهذا ربما متجلي منذ1958 ولحد الآن. بمعنى أن الصراع متمحور على السلطة وليس من اجل المشاركة فيها، أو من اجل بناء الوطن. وهناك عامل مساعد وهو العجز الإداري, فجهاز الدولة متخلف في أساليب عملة بعيد عن ولاءه للوطن.
إن تمركز السلطة السياسية والاقتصادية بيد السلطة العليا, وتحديدا بيد حفنه من المتنفذين, يولد حاضنه للارتداد عن الخطوات الأولى للديموقراطية, هذا الخطر يصبح اكبر إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن ديموقراطيتنا هي ” ديموقراطية سنة أولي حضانة”.
دعونا نستكمل مشوار طائر العنقاء, الذي يعيد إنتاج نفسة من نار, وفي الدولة الريعية من العوائد النفطية. إن جباية العوائد النفطية الناتج من عوامل سوق خارجيه وبعملات أجنبية, يقلل من إمكانية اعتماد الدولة على الضرائب مما يعني تقليل الضغط على دخول الأفراد مما يؤدي إلي تقليل من قدرة المواطن على محاسبة الحكومة, ومن جهة أخرى فإن وعي المواطن يتمحور في كون الدولة ربوبية, أو بكلمة أخرى هي المطعمة للأفواه، أما السلطة فإن وعيها على الاعتماد على الخارج وعلى عدم أهمية المواطن في استمرار سلطتها. ومن اجل أن تستمر السلطة في قمة السلطة فإنها تقوم بإقامة المشاريع السريعة غير التنموية وذات الأثر الاستعراضي على المواطن لكسب رضاه, من أمثال ملاعب كرة القدم الفخمة واستضافه المؤتمرات، بينما هناك آلاف من مدارس الطين, وآلاف من المستشفيات بلا أسرّه ولا أطباء, وملايين الأميين بالمفهوم العصري والتقليدي للاميه, وتخلف للريف مرعب, وعدم وجود طرق مواصلات رابطة بين الوطن لقيام تنميه اقتصاديه, واهتمام شكلي بالجامعات مثل زيادة عدد الطلبة المقبولين، وزيادة عدد الجامعات دون الاهتمام بنوعية الخريج ……إلى آخره…يتبع .. المقالة القادمة ستكون عن نفس الموضوع ولكن عن الرأسمال الاجتماعي في الدولة الريعية.
7 تعليقات على أتحدى زرقاء اليمامة أن ترى الديموقراطية بدون تلسكوب 6: الدولة الريعية … دولة الطفيليين
نظرة متعمقة لا باس بها عن الدولة الريعية و شكرا لتقريب الصورة لاذهاننا مع دول الخليج فى هذا الامر_عندى سوال لا اعرف ان كنت ستكتب عنه مستقبلا ام لا_ما المقصود بالفياجرا الفكرية؟سبق ان ذكرت فلى مقال سابق ليك سيد اثير
أستاذ أثير……..
الديمقراطيه من الأشياء الجميلة في العالم وهي مطبقة في أوربا وأمريكا التي لك صلة القرابة فيها
ولكن الديمقراطية عند العرب والعراق خصوصا لها حدود وخط أحمر لا يجب تخطاه.
فأنت جزء من الازمة التي حصلت في البلد حول ظاهرة الأيمو حيث أفكارك وكتاباتك الحالية والسابقة كلها متقاربة من أفكار الايمو ,نعم الديمقراطية جميلة ولكن ليس بدرجة بأن تصل بك الدرجة الى تدمير الشباب العراقي من خلال تشجيعهم على الكئابة والعزلة والاضطرابات النفسية والانطواء ,فكانت النتيجةقد تعرضوا الى القتل والضرب وأنت تخرج منها من دون أي أذى كالعادة ,فكفى تشجيعك على هذه الظاهرة وخاصة في الكلية التي تعمل بها رجاءا رجاءا أستاذ أثير
تحليل مستنير جدًا عن علاقة النفط بالاستبداد. سلسلة أكثر من رائعة!
إلى الأستاذ أياد، أنا لا أعرف عمّا تتحدث حقًا. دكتور أثير لم يكتب في أي مرة عن موسيقى أو ثقافة الإيمو، بل وأشك أن كثيرين من مثيري هذه الزوبعة في العراق حاليًا لا يدرون معنى الإيمو أساسًا.
هل قرأت أي من مقالاته قبل رمي الناس بالباطل؟
اعذرني، ولكن تعليقك يتّسم بالعشوائية الفكرية، والتي كثير ما نقابلها على الموقع ومواقع أخرى كثيرة للرأي.
أستاذ أحمد أنا لا أقصد كتاباته في موقع شباب الشرق الأوسط
ولكن فيما يفعله ويوجهه في حياته اليومية الان في الكلية والبيت والشارع فيما يتعلق بتشجيعه في ظاهرة الايمو
العراق كان دائما مجتمع متقبل لكل الافكار …ربما هناك حاجه لبعض الاشخاص ان ينظروا للصور العراقيه في الخمسينات والسبعينات عندما كانت بغداد تتقدم على دول اوربا في الملابس والموسيقى والصرعات الحديثه ..المجتمع العراقي لم يتأثر وقتها ..ولا الاخلاق انحلت ..ولكن تولد لنا كتابنا ومفكرينا ومهندسينا واطبائنا الكبار ممن نبكي على ايامهم ….هل نسينا مقاهي ابو ناوس والمسارح والمهرجانت الدوليه ؟؟ نحن العراقيين من غير شكل الادب الحديث و من ابدع كهرمانه ونصب التحرير لو نظرنا لوصورهم لكانوا يلبسون ويمشون مثل ظواهر تلك الوقت الغربيه ..لأم يقتلهم احد ولا احد شجعهم …العراق واهله اجل خط احمر ..خط احمر ضد كل من يريد ان يصفي حصاباته ضد الطيقه الوسطه ويتحجج بالدين …انا لن ادافع عن المساكين ممن يتهمون بالايمو من شباب حالهم حال من كانوا يلبسون بالعيد ملابس براقه ويقلدون مهند محسن وعادل عكله وكاظم الساهر في يوم من الايام ..انا ساعيد مقوله رجل دين فاضل يجيب عليك وعلى كل من يريد ان يحول شويه شباب الى ظاهره : “اعتبر المرجع الشيعي الأعلى، آية الله علي السيستاني، استهداف الشباب الذين يطلق عليهم ‘الإيمو’ تهديداً للسلم الأهلي، وذلك في أعقاب ورود تقارير عن عمليات قتل منظمة تشنها مجموعات مسلحة على هذه الظاهرة.” وقد حرم المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي، وسائل الإعلام تناقلت بعض الأخبار عن تعرض عدد من الشباب المقلدين لما يسمى بظاهرة (الإيمو) للقتل في بغداد والمحافظات، ولم نتأكد من مدى صحة الخبر ومصداقيته ودقة الأرقام المذكورة فيه”.
وأضاف اليعقوبي أن “الدين براء من ارتكاب مثل هذه الجرائم لو صحّ وقوعها وان من يقتل إنسانا خارج الإطار القانوني المشروع فقد اعتدى على الله تبارك وتعالى واستخّف بحرماته”، مؤكدا أن “التصرف المشروع إزاء الانحرافات الاجتماعية لا يعدو النصيحة والإرشاد والتوعية”.
واتهم اليعقوبي جهات “بالوقوف وراء هذه الضجّة المبالغ فيها لها أجندة لتشويه صورة الملتزمين بالدين ومحاصرة الدين وتنفير الناس منه، بالاشتراك مع جهات لها مشاكل مع النظام السياسي الجديد في العراق”، معتبر “القضية فوبيا مفتعلة كقضية ابو طبر التي خلقت هلعاً عاماً لدى الناس في بغداد عام 1973″.
ولفت اليعقوبي إلى أن “وسائل الإعلام أطلقت العنان في التحريض أولا لدفع الجهلة والمخدوعين والمتعصبين من كلا الطرفين فصّورت شباب الإيمو بأنهم واجهات للماسونية يريدون نشر الرذيلة والشذوذ والإباحية، لتغري بهم بعض المأجورين أو الجهلة أو المتعصبين للاستفزاز والعنف، ثم تنسب الفعل إلى جهات دينية لتحقيق أجندتها”.
وأوضح اليعقوبي إن “الشباب معروفون بالحماس والاندفاع وحب التميّز والتفوق والظهور وهذه عناصر كالسلاح ذي الحدين، فيمكن جعلها عناصر محفزة لفعل الخير والإبداع والعطاء المثمر”، داعيا الشبابا الى “توظيف هذه الطاقات لما فيه نفع الأمة وصلاحها وبناء مستقبلها الزاهر، وليس لاستيراد التقليعات البائسة والمظاهر المنبوذة”.
اتقو الله فيما تقولون وكفى رمي الناس بالتهم ….
Pingback: شباب الشرق الأوسط » أرشيف المدونة » أتحدى زرقاء اليمامة أن ترى الديموقراطية بدون تلسكوب 8: الدولة الريعية … الراسمال الاجتماعي
عزيزي حازم محمود, مشكور جدا على متابعتك وملاحظاتك وتسائلاتك, واسف على تاخير الرد لبعض الانشغالات في نفس الموضوع ومواضيع اخرى.
الفياكرا الفكريه ؟؟!! انها ضد القرائة الناعسة لمجلات اخبار الفنانين , ضد خدش المسكوت عنه انها تسعى من اجل خلق وعي اجتكماعي ناقد للواقع وتناقضاته لان ذلك النقد هو اساس تجاوز الواقع الابوي المتخلف. انها مثل القاء حجر في البركة الساكنة. انها الفكر النقدي. فانا استخدمتها في كوميديا سوداء لان الفياكر الجنسيه استخدمت عندنا لزيادة اضطهاد المراة . فاصبح بامكان الرجل الانتقال من سرير زوجة الى اخرى في ليلة واحدة ليظهر بمظهر الفحل( بالمناسبه كلمة فحل تستخدم للثيران) ولهذا ادعو الى فياكرا فكريه للتصدي وللمساواة.
اعمل حاليا على استكمال السلسه. اتمنى ان انجزها قريبا.