اثناء انشغالي بموضوعة دور العائلة او البطريريكيه وعلاقتها بالعشيرة, عندنا, وكيفيه ازاحة الريف لثقافة المدينه, وتلاقحهما مع الدولة الريعيه, والذي نشرتُ عدد من المقالات عن هذا الموضوع تحت نفس العنوان, وقد شبهت ذلك بدودة الارض في حاجتها لدودة اخرى للتكاثر مع انها تحمل الجنسين معا. اقول, اثناء ذلك وبالمصادفه وقع نظري على دراسه للعالم الاسترالي مالينونسكي في مؤلف بعنوان ” الجنس والكبت في المجتمع المتوحش” , وهو عباره عن استخلاص لنتائج دراسه ميدانيه قام بها العالم المذكور في جزر التروبرياند_في غينيا الجديده.

في دراسته تلك, يجد العالم مالينونسكي ان النظام القائم في تلك الجزر هو نظام القرابة الامومي. فالولد هنا ينتسب اسمه الى امه ويصبح عضوا في عشيرة الام او يرتبط اسمه باسم عائلتها. والابن في هذه الجزر لا يرث شيئا من ابيه بل من خاله, صاحب السلطة الرئيسية والمسؤول الاول فيها, وتليه اخته في المركز الذي تتمتع به اجتماعيا واقتصاديا ومن خلال ملكياتها الخاصه. وهنا يتربى الابناء على عدم رؤية امهم وهي في حالة خضوع لزوجها الذي هو والدهم. والمهم من تلك الدراسه ” الجنس والكبت في المجتمع المتوحش”, ان افراد تلك الجزيرة لا توجد لديهم امراض نفسيه او عقد جنسيه ولا افكار متطرفه. كما ان قاطني تلك الجزر ليس لديهم عقدة “اوديب”, فلا رغبات مكبوته ولا ميول عدوانيه نحو الاب, الا ان العالم الاسترالي وجد ان الابناء لديهم ميول عدوانيه, ولكن بشكل خفيف, تجاه خوالهم. ومن ضمن استنتاجاته ان الجنس ليس ضاهرة بيولوجية فقط بل هي متغير يخضع لثقافة المجتمع. اما عن عقدة اوديب, التي جاء بها فرويد, فهي تعود الى الدور التسلطي الذي كان يتمتع به الاب في المجتمعات الغربيه, وكذلك الى الثقافات التي تعتمد على التسلسل القرابي والابوي. وتزداد تلك العقدة, عقدة اوديب, جنوحا عندنا في مجتمعاتنا لانها تتزاوج مع النظام العشائري والدولة الريعية. فالنظام الابوي عندنا, مدعم من قبل النظام التعليمي والسياسي والخطاب الديني والبناء الاجتماعي.

والابويه يقصد بها السيطرة التي يمارسها الجيل الاقدم, وهي سيطرة تامه, تصل الى حد “مع من تتحدث” “ماذا تقرا” “جنب من تجلس في المدرسة”……الخ. هذا النظام الابوي, خلق شبابا يعيش حالة اللامعقول في النظره الى الحياة, وفي نفس الوقت العجز عن اتخاذ القرار وتحمل نتائجه, وهي, اي الابويه, جوهر التخلف وحاضنته.

ان نظام التربية عندنا, يخلق افرادا اتكاليين مذعنين لسلطة الاب والمعلم والاستاذ والحاكم. اما ولائهم فمرتبط بالعائلة, والعشيرة, والطائفة, لانهم تربوا على الاذعان للنظام الابوي دون استخدام للعقل. كما ان ذلك النظام يرفض النقد الذي هو اساس التطور. لا بل ان النظام الابوي يشيع منظومة من المفاهيم غير القابلة للنقاس ولا النقد غالبيتها تناقليه من سلطة الجيل السابق من خرافات وبطولات وهميه لا تصمد امام الامتحان العقلي. فيصبح التاريخ هروبا من الحاضر الفاشل, الى فنطازيا التاريخ, من امثال ” اذا بلغ الفطام لنا صبيا …تخّر له الجبابره ساجدينَ”. وتتحول تلك المبالغة المقبولة شعريا, الى ثقافه سائده عن فنطازيا تاريخيه, يتخيلها الابناء على انها معقوله الحدوث ويردد “هكذا كنا”.

ان عقم الايديولوجيات المتحجره عندنا ادت بنا, بعد عجزها عن احداث التغيرات المطلوبه للتطور او للحداثة, الى عقم الافكار فاصبحنا لا نمتلك الا ردود الافعال المستندة على العاطفة, وفقدنا كل القدره على النقد والتحليل وتحكيم العقل, والاكثر مصيبتا اننا فقدنا الوعي الذاتي وفسحنا المجال للغوغاء والفوضى.

ان التغيير المطلوب بتقديري, لا يمكن ان يتم الا ببناء مجتمع غير ابوي غير بطريريكي غير عشائري غير ريعي. ولما كانت كل تلك تستند على استعباد المراة, اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا, فلا بد اذن من نضع الموضوع الى درجة الهدف.

تحرير المراة هو الاساس في بناء مجتمع حداثي او متطور … ولكي نصل الى ذلك فانني ادعو مثقفينا الى اختراع الفياكرا الفكريه.