إستفزتني بشدة كلمات توكل كرمان الحائزة على نوبل و التي أبدت فيها تأييدها للتعاون مع الولايات المتحدة كدولة تريد الحرية و الديموقراطية ، الواقع انني أبديت وقتها عبر شبكة الفيس بوك رأيي لكن ترديد تلك النغمة جعلني أشعر بالقلق فالولايات المتحدة ليست تلك الدولة التي تبحث عن الحريات بالعالم بل كأي دولة تبحث عن مصالحها و فقط ، من النماذج لدينا ما يكفي فأصابعها في انقلابات سوريا بأربعينيات و خمسينيات القرن العشرين و تدبير انقلاب السفاح بينوشية بشيلي و دعمها لديكتاتوريات أمريكا اللاتينية و الشرق الاوسط ما يكفي لنفهم لكن ظل لدي نموذج واحد مجهول لدينا و لا بد من ذكره حتى نفهم و نعي الأمر جيداً ، نموذج محمد مصدق بإيران الذي دفع كل شئ ثمن لطموحه بان تحيا بلاده كبلاد محترمة بلا خضوع اقتصادي لأحد سواء من الغرب أو الشرق لكن كانت للولايات المتحدة مصالح أخرى.
..
* في 1941 تم إجبار شاة إيران رضا بهلوي على التنازل لولده محمد (خلع لاحقاً في ثورة شعبية عام 1979) عقاباً له على صداقته للنازية و تعامله معها أثناء الحرب وواجه الوريث الجديد مشكلات مع الجبهة الوطنية التي طالبت عبر محمد مصدق أحد رموزها عدة مطالب ديموقراطية منها تاميم النفط و كان رد الشاة الرفض لإعتبارات دولية بغض النظر عن الفقر المدقع للشعب و إهدار ثرواته لصالح الشركات الغربية و على رأسها شركة النفط الانجليزية الايرانية ، مع إغتيال رئيس الوزراء المدعوم من الشاة الرافض للتأميم في 7 مارس 1951 توالت أعمال الشغب حتى إبريل من نفس العام و اكن حزب تودة الشيوعي بارز في الاحداث و طالبت التظاهرات بالتأميم حتى تصير 100% من العوائد للشعب بدلاً من 50% ، في 28 أبريل تم إختيار محمد مصدق كرئيس للوزراء من البرلمان بأغلبية كبرى ليقر قوانين عدة شعبية لصالح الفقراء أبرزها تأميم النفط في 1 مايو 1951 ، أصيبت بريطانيا بالجنون و فرضت حصار على البترول الإيراني لدرجة إرسال قواتها الموجودة سلفاً بالخليج الفارسي (قوة الاحتلال البريطانية بالخليج و التي غادرت اوائل السبعينيات) لمنع شحنات البترول من المغادرة مع طرح الامر على الامم المتحدة مما ولد اضطراب اقتصادي كبير بإيران ، إستمرت الاضطرابات و إضطر الشاة لإعادة تنصيب مصدق كرئيس للوزراء وسط تنازع سلطات كبير بينهما في 16 يوليو 1952 ، سادت الاضطرابات البلاد مع محاولات الشاة عزل مصدق لتنتهي بتدخل الجيش جزئياً و قفز شعبية مصدق للقمة خاصةً مع قرارات تحجيم نفوذ الشاة و مصادرة أراضي الاسرة و بالذات شقسقتة أشرف و تخفيص مخصصات الشاة المالية ، هرب الشاة في أغسطس 1953 لأوروبا خوفاً من تطورات الأمور مع قرار ورقي بعزل مصدق و تولية فضل الله زاهدي رجل المخابرات مكانه و هنا تدخلت الولايات المتحدة بكامل قوتها.
..
* انقل اليكم ملخص رواية كريستوفر مونتايغ وودهاوس رجل المخابرات الامريكية الذي تولى عملية آجاكس لخلع مصدق لصالح الولايات المتحدة :
(كنا ثلاثة ندير العملة انا و كيرمت رزفلت و آلان دالاس و لاحقاً جاءنا الرابع روبرت زاهنر البريطاني ، كان معنا إثنين من الاسرة المالكة و كبير لمثيري الشغب و الرعاع بالبلاد و الطبقة الدينية (الملالي) كلنا كنا ضد مصدق فأتينا بحمولة سلاح على طائرة و طمرنا الحمولة في مخابئ تحت الارض إحترازاً لتدخل روسي قد يدفعنا لمنح السلاح لميليشيا تقاتل ضد الروس ، و عبر (ه.نورمان شوارزكوف) أقنعنا الاميرة أشرف بإقناع الشاة المرتجف بعدم الاستقالة في الخارج و سارت في الشوارع كل عملياتنا التي تلخصت في مظاهرات و فوضى و زعزعة الامن و إثارة القلاقل و إيهام الناس أن مصدق سبب ما نحن فيه و أن عهد الشاة أفضل و سار الكثيرون من الملالي في المظاهرات (منهم الخوميني ! .. تقاضى حسب روبرت درايفوس في كتاب رهينة الخوميني 300 دولار مقابل كل يوم تظاهرات ! .. لاحقا انقلب على الشاة و غادر لتركيا ثم فرنسا ليعود في احداث مشابهة عام 1979 و يحكم البلاد) و إنتهى الأمر بعزل مصدق و عودة الشاة و الحكم بإعدام مصدق ثم التخفيف ليظل محل الاقامة الجبرية بأحمد آباد الى وفاته.
..
ماذا نتعلم من هذا الدرس؟
-1- الولايات المتحدة ألقت بجوع الايرانيين و اختيارهم الديموقراطي الى الجحيم و دبرت انقلاب عبر الفاسدين و اللصوص و رجال الدين لتعيد الشاة لصالحها.
-2- عاد الشاة ليؤسس مع الموساد جهاز السافاك القاتل و يعيد الامتياز الاجنبي و يجعل الشعب الايراني يحيا بذل مطلق حتى قيام الثورة عام 1979 لينتقل من ذل الى ذل آخر.
-3- بكل برود قام أيزنهاور بإقرار خطط تدمير ثورة و تدبير ثورة مضادة و إعادة النظام القديم و لتذهب الديموقراطية إلى الجحيم.
..
ألا نرى هذا يحدث اليوم؟
كيف لم تقرأ ثورتنا و ثورة اليمن الذي إنتخب نائب الرئيس المخلوع بأغلبية 99.8% هذا الامر لنرى الويات المتحدة تعيد نموذج الشاة باليمن و تصنع نموذج مشابة بمصر في درس واضح للثورة المضادة التي تهتم بإستمرار نهج النظام المخلوع و تدبير الثورات المضادة في سبيل المصالح؟
كيف تقول توكل كرمان هذا عن دولة دبرت انقلاب دموي في شيلي (لهذا مقال آخر إن شاء الله) و إيران و غيرها من دول اخرى بامريكا اللاتينية و معظمها ثورات مضادة لرغبات الشعوب و ىمالها بلا أي حساب لما تتحدث عن توكل من حريات؟
متى ستقرأ الثورات تاريخ الثورات السابقة و أسلوب الامبراطوريات في التعامل معها من الثورة الفرنسية للربيع العربي حين تدبر الثورات المضادة؟
إن مصدق كان درس في الثورة المضادة لم تقرأه اليمن الذي تكرر السيناريو فيه و لم تهتم به مصر التي أعيد فيها عهد مبارك لكن بلحية!!
5 تعليقات على محمد مُصدق والثورة المضادة … الدرس الذي لم تقرأه ثوراتنا
ممتاز يا محمود!
المرة دى ليا راى مخالف شوية يا استاذ محمود-انا لا احب الامريكان لكن لا اريد ان اعاديهم ايضا او اكره كل من يتكلم عن دعمه لهم .. السيدة توكل لم و لن تحصل على جائزة نوبل لتهاجم بها امريكا – اما عن راينا فى الامريكان عموما ” العالم كله و باقولها تانى (كله) يعيش فى ظل مصالح و مؤامرات_ كل دولة او جهة عايزة اكبر استفادة ممكنه من الاخر بغض النظر عن الحقوق و القيم و الحريات المطلقة—مثال :امريكا تتغنى بدعم الحرية و الديمقراطية و هناك دلائل كتيييير على عدم صدق ذلك–دول متعددة من شرق الارض الى غربها تتغنى بكرامتها و سيادتها فى حين انهم جميعا يمارسون السياية لعبة المصالح بما فيها من اذلال احيانا– التيارات الدينية تتشدق ليل نهار بسماحة الاديان و سموها السماوى و ما ان يتمكنوا من السلطة و الحكم تجدهم يسلخون الناس بمنتهى الشراسة و البرود باسم الشرائع السماوية…..الخ”
الخلاصة- لا تحزن من توكل انها قالت انها تؤيد امريكا او غيرها- نحن نعيش فى عالم قاسى جدا مهما كانت المعتقدات التى يصدرها لك تحت اسم الدين او الحرية-الجميع فى النهاية يبحث عن مصالحه و تنفيذ اهواءه الشخصية- انها ليست يوتوبيا بل ارض الواقع العجيب
اسف حبيت اضيف ايضا بالنسبة للثورة فى مصر-اتفق معك فعلا فى اعادة انتاج نفس النظام القديم بحذافيره و لكن فى صبغة دينية اسلامية عشان المرة دى لة حاولنا نحتج او نثور او حتى نعترض يعتبروها ردة و يباح قتل المعترضين بدون ان يتحملو ذنب- السؤال هو-هل ثورة مصر مصرية خالصة؟ ام مجرد انقلاب استغلته التيارات الدينية لصالحها؟ ام شئ اخر؟
و انا لم أطلب العداء لأمريكا يا حازم فلا منطق في عداء لبلد يمول 52% من سلاح جيشك و يحرك إقتصاد محلي و خارجي يزيد عن 70% من إستثمارك الاجنبي…
إن طلبي الوحيد أن نتعلم من التاريخ أن الدلو تتحرك بالمصالح فقط ، لا شئ إسمه دلة داعمة للحريات و لا قاعدة أن دولة معينة ترعى الحريات فهي ترعى مصالحها فقط..
ممم فهمت قصدك-شكرا على المزيد من الايضاح