لا تُقاس الشعوب بمقاييس محددة توضح ماهيتها أو وضعيتها فلربما قام شعب بسيط في تاريخه و حضارته و ربما تكوينه بشئ هائل يُبهر شعوب العالم يجلب إحترامها و لعلنا نرى شعب عريق له من السلوك ما يثير الشفقة أو السخرية ليس الشعب الاسرائيلي أذكى أو أعرق من الشعب المصري لكن دولة إسرائيل و مؤسساتها تختلف جذرياً عن دولة و مؤسسات مصر العزيزة.
..
في مصر يوم 11 فبراير 2012 الجاري تم عمل إضراب فشل بكل وجهات النظر فبإستثناء غياب للطلبة (لم يطرح أحد نسب حضورهم قبل الاضراب) لم يكن الأمر مؤثر بل زاد هذا أن الانتظام كان واضح في مؤسسات الدولة و الاعمال الخاصة ، ترافق هذا مع إضراب في إسرائيل نجح حسب الانباء في تثبيت العمالة و رفع الحد الادنى للأجور الى 1250 دولار ( 7500 جنية مصري !) و الأهم أنه تم تنظيمه و إدارته بكفاءة واضحة.
السؤال الآن لماذا فشل إضراب مصر لدرجة عدم علم البعض به و إتضاح أن نشر قوات الجيش لم يكن له داع بينما نجح إضراب إسرائيلي؟ !
الجواب بسيط و هو أن الفارق التنظيمي بين الشعبين و مؤسسات الدولتين و طبيعة المؤسسة العسكرية هنا و هناك و الوعي السياسي و النظام الديمقراطي كل هذا لعب دوراً أساسياً في كتابة النتيجة المؤسف لإضراب لم يشعر به أحد و إضراب نجح في تحقيق أكثر أهدافة بلا قتيل و لا نشر للجيش.
في مقال سابق واجهت غضب شديد لأنني تحدث عن المؤسسة العسكرية الاسرائيلية و طبيعة علاقتها الجيدة بالمؤسسة السياسية تقسيم الادوار بينهما و خلافاتهما و كيفية حلها و اليوم يكون الرد العملي على من هاجمني فإسرائيل (ٌقلعة الشر و مكمن المؤامرات كما نسميها) تصنع إضراب و بلد أبو الهول -و ياللهول- تصنع إضراب نعجز عن تمييزه بدون عدسة مكبرة ! .. إن السبب نستطيع تلخيصة في عدة أسباب متتالية:
/1/ الشعب الاسرائيلي يحيا في بلد ديموقراطي مؤسستية العسكرية و السياسية متوائمتان لا تبتلع إحداهما الاخرى و لا تخُض إحداهما حرب مع الشعب و بالتالي الجهد المدني واضح و لا يعترضه أحد و لا يستطيع أحد رفضه أو تخوين القائمين عليه.
/2/ تكوين القوى المؤثرة العمالية طاغي و مُوحد عبر الهستدروت و أي إضراب يتم تبنيه و نشره و تنظيمه و ضمان نجاحة بل و إجبار الحكومات على المجئ للمضربين و التفاوض.
/3/ مر الشعب الاسرائيلي بمراحل التطور التي مرت بها أوروبا بحكم أن أغلب المهاجرين أوروبيون مروا بتجارب قرون عدة من تطور المجتمعات بالاضافة للتجربة الخاصة اليهودية التي علمت الشعب أن المساواة و الحداثة وسيلة وحيدة لضمان بقاء دولة سرائيل و بدونها لا شئ سيتحقق.
..
السؤال هو هل شئ من النقاط الثلاثة موجود بمصر؟
* لا مصر تحلت لبلد ديموقراطي به مؤسسات مجتمع مدني حقيقية و لا مؤسسته المدنية لها أي دور أمام العسكرية لا يجد أي حضور لمؤسسات العمال و لا نقاباتهم و لا أي قوة لهم و لم يمر مجتمعنا بأي تطور إجتماعي أو حداثي بل نستورد كل شئ غربياً دون جذور حقيقية !!
* بدون مؤسسات و لا نقابات عمالية و لا تنسيق بين الجيش و الحكمة الخاضعة أصلاً للجيش كيف نتوقع إضراب أصلاً؟؟!
إن الفارق الكبير بين الشعب الاسرائيلي و الشعب المصري هو الذي صنع الفارق بين إضراب مصر و إضراب إسرائيل و لا تتوقعوا أدنى نجاح بلا إستيعاب لأسس نجاح النشاطات السياسية و النقابية فحتى نمتلك هستدروت إسرائيل ووعي عمال و شعب إسرائيل و طبيعة العلاقة بين مؤسستي الجيش و الحكومة بإسرائيل لا تنتظروا إضراب بل إنتظروا ضربة !
3 تعليقات على إضرابهم و إضرابنا .. فارق الشعوب
مقارنة جديرة بالتأمل عزيزي محمود، أعتقد أنك من القلة القادرين على إخراجها بهذا الشكل، وبدون وجل أو تجمّل.
يوم السبت، كنت في التحرير، مواطن مصري يبدو من مظهره انتمائه للطبقة العاملة، سألني إن كنت أرى تشابهًا بين التجربة المصرية ونظيرتها الرومانية في إثر الانقلاب. تذكرت مقالتك على الفور. لا أعلم إن كان قد كتب أي شخص آخر عن مفارقة القدر وتشابه التجربتين… ولكن على أي حال، أعتقد أننا، على موقع شباب الشرق الأوسط على الأقل، على الدرب الصحيح.
بالطبع كتب كثيرون على نموذج رمانيا..أتذكر مثلا أكاونت عيون لا تنام على الفيس بك مقالة جديرة بالاهتمام و أكثر من مرة أتذكر قراءة مقالات قامت بالمقارنة في المصري اليوم..
عامةً لا مجال -في رأيي- لتصحيح الامر لو تم إنتخاب رئيس للجمهورية فوقتها سيكون هناك نظام كامل..
إما الآن و فرض أمور معينة قبل إنتخاب رئيس أو نتقبل الامر نحاول تصحيحه في إطاره.
المقال ممتاز ممتاز- احييك يا استاذ محمود-انت عبرت عن كلام كل ما باقوله ناس كتير تزعل منى-لا انت صح تماما و كل كلمة فى مقالك سليمة-احنا فى مصر ما عندناش حرية او ديمقراطية على مستوى اللى موجودة فى اسرائيل-مصر صاحبة واحدة من اعظم الحضارات القديمة على الارض مش قادرة تنظم اضراب؟! “مش حاقول حتى يحقق اهدافه-حاقول ما احناش قادرين نعمله صح ع الاقل” ؟!!!! يبدو ان الحرية فى مصر محكوم عليها بالفشل حاليا حتى اشعار آخر