إلى من يحفلوا بحجب قناة روج.تي. ڤي. (RojTV) الكُردية،
متى يمكن لشعب مضطهد ومهمّش بأكمله التعبير عن هويته وجعل لمعاناته صدى مسموعًا، يبلغ الأثر الإيجابي لعملية التعبير هذه مبلغًا عظيمًا. وبالمثل متى يُكتم صوته، تتعاقب النتائج الوخيمة والمأساوية معًا.
روج.تي. ڤي. هي القناة الدولية الوحيدة تقريبًا الموجهة للكُرد بلغتهم الأم. تبثّ القناة محتوىً متنوع، بدايةً ببرامج الأطفال إلى الموسيقى الكردية والسينِما. ولكن الأهم من ذلك، ملأها فجوة كبيرة بإذاعة أخبار السياسة الكُردية، وهي التغطية التي يتم تجاهلها، سهوًا أو عمدًا، من قِبل وسائل الإعلام التقليدية السائدة.
منذ أكثر من سنة، تورطت روج.تي. ڤي. في معركة قانونية طويلة، بعد اتهامها بانتهاك القوانين الدَنِماركية الخاصة بمكافحة الارهاب. ربما كنت قد قرأت مقالًا متعلقًا بالقضية على مدار العام الماضي، أو كنت متابعًا متحمسًا للقضية منذ بدايتها، أو ربما تتعرض للمرة الأولى لمعركة روج.تي. ڤي. القانونية الآن، بعدما تم إغلاق القضية. احتفل الكُرد بقاء رخصة البثّ الخاصة بقناة روج.تي. ڤي.، على الرغم من إدانتها “بالإرهاب”، وإلزامها بدفع غرامة باهظة.
كان الاحتفال الكُردي قصير الأجل؛ لأنه في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني 2012، قررت المنظمة الآورپية للأقمار الصناعية والاتصالات (يوتلسات)، وهي الجهة المخوّل لها ترخيص قنوات القمر الاصطناعي يوتلسات (Eutelsat)، وقف بثّ روج.تي. ڤي.، مما ترتّب عليه شلّ إحدى كبريات مصادر الأخبار الكُردية في العالم.
إبان وقف بثّ روج.تي. ڤي.، فقد الكُرد صوتًا قويًا ما فتئ يعبّر عن آمالهم ويصطفّ في جانبهم. من الآن فصاعدًا، لن تُسأل تركيا عن اعتقال مئات الصحافيين، الناشطين، الأكاديميين، وحتى الأطفال. ولن تواجه إيران صعوبة في إخفاء آثار جرائم قتل العمالة الكُردية على الحدود الايرانية، والاحتجاز التعسفي وأحكام الإعدام ضد الناشطين الكُرد. بل ولن يتلقّى صور المجازر التركية، وآخرها مذبحة روبوسكي، آلاف المشاهدين، والتي كانت تمثل لهم أداة حشد هامة للمطالبة بعدالة قضية موتاهم، وأحيائهم كذلك.
قد يعقّب قارئًا بأن روج.تي. ڤي. قد ذهبت “وبئس المصير”، كونها كانت منبرًا قوميًا استفزازيًا. وقد يدّعي البعض ما هو أسوأ، في أن روج.تي. ڤي. مارست تحريضًا على الإرهاب، ولذا فإنه لا مناص عن حجب خطابها الإعلاميّ عن حواسنا. عزيزي القارئ، نحن هنا لنردّ هذه المزاعم.
بغضّ النظر عن الحقيقة الجوهرية التي تفيد بأنه يجدر بالاختلافات السياسية، مثلها مثل الدينية أو الاجتماعية، أن تزدهر. فنحن لا ندعوك لأن تتخذ نفس موقفنا في نهاية المطاف، أو أن تفكر تمامًا مثلما نفكر. بيد أن مخاطر إسكات أي رأي سياسي، مهما كان، هي دائمًا أكثر خطورة من الرأي السياسي في ذاته، هذا إذا اعتبرنا جوازًا أن بعض الآراء ضارة، وتمتد لما هو أبعد من توقعات الرقيب وقتما شرّع بالحجب أو المنع، فضلًا عن كونها لا تدفع ضررًا، بل قد تستدعي أضرارًا أكبر. بات أثر وقف بثّ قناة روج.تي. ڤي. على القمر الاصطناعي يوتلسات، من قِبل محكمة دَنِماركية، وبإيعاز من ضغوطات تركيّة، ممتدًا إلى ما هو أبعد من مجرد إيقاف قناة فضائية كُردية، إلى كونه إسكاتًا للصوت الكُردي برُمّته. ولمّا كان الكُرد بشرًا، يدعون بفخر لمباشرة حقوقهم الإنسانية الأساسية، فقد أسكتنا صوت البشرية، عندما وقفنا عاجزين الحيلة حيال حجب روج.تي. ڤي.
إن النضال الكُردي ليس في حدّ ذاته هو نضال الكُرد فقط، كما أن النضال الفلسطيني ليس هو نضال الفسلطينيين بمعزل عن جهود غير الفلسطينيين، وهكذا النضالات المصرية، البحرينية والسورية… إلخ، بل هي نضالات الإنسانية، مهما اتخذت من مسمّيات. أينما تطوّعت مجموعة من الأفراد بوقتهم وجهدهم ومالهم، بل وضحّوا بحياتهم، من أجل مزيد من الحرية لشعوبهم، فإنهم يسهمون في تعزيز مجال حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية لكل القضايا الإنسانية جمعاء وليس قضيتهم فقط؛ لأن القضايا الإنسانية غير معزولة عن بعضها البعض بخطوط الجغرافيا الوهمية. ونحن ككتّاب هذه الرسالة، لسنا كُردًا، بل وليس لدينا أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة مع أي هيئة أو منظمة كُردية – فواحدة منّا بحرينيّة، والأخرى سوريّة، والمترجم مصريّ، أي أننا من بلاد تحكمها ديكتاتوريات، سواء كانت ملكية أو جمهورية أو عسكرية. إن شعوبنا باتت تعي بشكل، لا يقبل الشكّ، قيمة الحرية. ولأننا نعاني من فقدان قيمة الحرية في أوطاننا، نتفهّم تمامًا أوجاع الكُردي، بل نشعر بحتمية مؤزراتهم والشدّ على أيديهم. لا يعاني أيّ منّا اضطرابات التناقض، كي ندافع عن أصواتنا الخاصة، بينما نقبل بإسكات أصوات الآخرين خانعين.
هذا هو دافعنا الأول، وهذه هي قضيتنا. نحن لسنا إرهابيين، ولا دعاة للإرهاب، ولا تحرّكنا أجندات سياسية خارجية، ولا تدفع عجلات جهودنا أياد خفيّة، ولا تحوّطنا أطرافًا ثالثة. نحن هنا لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما عانى الكُرد منه الأمرّين.
في الواقع، نحن، كعرب ونشطاء على الإنترنت، نتجرّع من نفس كأس الكُرد، وتستهدفنا نفس الهجمات التي تحاول النيل من عدالة قضيتهم. نتلقى عشرات رسائل الكُره والتهديدات بسبب مواقفنا ومشاريعنا. بل وواجهنا في الماضي محاولات قرصنة مواقعنا من قِبل قوميين أتراك متطرفين، لأننا فقط ندافع عن حقوق الكُرد في العيش بكرامة. ولك أن تتخيل إذا كنا نواجه كمية الهجوم هذه، رغم أننا لسنا كُردًا، فما بالك بالهجوم الذي ينال إخواننا وأخواتنا الكُرد الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة، بكل ما يملكون من خلفية تاريخية وثقافية غنية؟
ندرك تمام الإدراك أننا ننشط لدعم قضية غير مألوفة ولا تنال حظًا وافرًا من التغطية الإعلامية، بل ونحاول مدّ جسور التواصل مع قراء قد يكون البعض منهم لم يقابل كُرديًا قطّ، أو لديه آراء خاصة بخصوص تاريخ الكفاح الكرديّ. بغض النظر عن أي احتمالات، لكل إنسان حقّ أصيل في توصيل صوته مهما كان. على الرغم من قرون وقرون من الانتهاكات، وعلى الرغم من حظر اللغة، إلا وأن الصّوت الكُردي التوّاق للحرية لم يكن أبدًا أصدح مما هو عليه الآن. على أقل تقدير، ولو اختلفنا، لزامٌ علينا الإنصات لمطالبهم المشروعة. حظر القنوات الفضائية، حبس الصحافيين، قمع النشطاء، حجب الرؤية، وعزل الهوية لن يكتم الكُرد أبدًا، ولكنها إجراءات ستهدم ركائز حقوقنا الإنسانية الأساسية، وتموضع العالم على جادة الخطر، فنحن لن نتنازل عن حقوقنا الأساسية للسلطات التي ترفع دركات الرقابة والحجب على قيم الكرامة والحرية.
أبدًا لم يدفع الحجب ضررًا يومًا ولا منع خطرًا! بل كان، دائمًا وأبدًا، وبالًا على حرية الرأي والتعبير. ولأن الخيط الفاصل بين حرية التعبير والاعتداء رهيف رهافة بيت العنكبوت، فالحجب قد يشمل، بلا موضوعية، ما هو أبعد من مبغاه “الرسمي،” وعادةً ما يتبعه ردّة فعل دفاعية من الطرف الآخر أو تحايل حول كتلة الحجب الصمّاء تلك.
يواجه الكُرد معركة مؤلمة من أجل الحرية، التي دفعت أجيال متعاقبة حياتها ثمنًا باهظًا لها. بفضل دعمكم، لن تذرَ الجرائم والانتهاكات ضد الشعب الكردي الرياح، بل ستنحت ألمًا على ضمير الإنسانية جمعاء.
بشّر بعالم يمكّن الجميع من التعبير بحرية – عالم رحب يسع الجميع بغض النظر عن العرق أو الدين. الحرية هي قيمة غير قابلة للتفاوض. إذا سُنح لهذه الجرائم أن تمرّ دون عقاب أو التفات يُذكر، سوف يخلّف المستقبل مظالم لن تنتهي. إذا لم تهتزّ، كإنسان، لانتهاك حقوق الكُرد، فقد تكون أنت القادم لا محالة.
متضامنون،
سوزان بولاد
إسراء الشافعي
أحمد زيدان
تحالف الدفاع من أجل حقوق الكُرد
***
تابع التحالف على تويتر من هنا، وانضم لصفحتنا على فيسبوك من هنا.
اقرأ وانشر الرسالة بالإنكليزية على موقع تحالف الدفاع من أجل حقوق الكُرد هنا!
تعليق واحد على مقالة الشهر: رسالة حول قضية قناة روج.تي.ڤي الكُردية – هل الحجب يدفع ضررًا أو يجلب نفعًا؟
منذ شهور كتبت حول إردوغان و ذكرت قضية روج تي في ..
شئ مؤسف الموقف التركي المحرض و الدنماركي المتواطئ..