تسببت شبكة الانترنيت في تغير مفاهيم كثيرة في عالم الأبداع و المبدعين فمن أكثر المفاهيم الجديدة و التي احدثت نقلة كبيرة في مفاهيم الابداع هي الـ Creative Commons أو المشاركة الابداعية هذه النقلة يعتبرها الكثيرين من المناهضين للعولمة تحول كبير في مفاهيم حقوق الملكية الفكرية و التي يجب أن تتغير و أن يصبح الإبداع اكثر إنسانية و يبتعد تماما عن مفهوم السلعة التجارية ، فالإبداع في الأساس تراث إنساني يجب أن يستفيد منه الجميع سواء بالإستخدام أو المشاركة و قد عرفت مؤسسة المشاركة الإبداعية CCPL هذا المفهوم عن طريق ترخيصها العام للمصنفات الإبداعية التشاركية بقولها : -

المصنف المشتق

هو عبارة عن مصنف يستند إلى مصنف آخر ، مثل الترجمة أو الإقتباس أو إعادة التوزيع الموسيقي أو غيرها من التعديلات على مصنف أدبي أو فني أو تسجيل صوتي و يشتمل أيضا على الإقتباسات السينمائية او اي شكل آخر يمكن فيه إعادة توزيع المصنف أو تحويله أو إقتباسه بما في ذلك أي شكل من أشكال الأعمال المشتقة بصورة قابلة للتمييز من المصنف الأصلي ، فيما عدا المصنف الذي يشكل مجموعة مصنفات و الذي لا يعد مصنفا مشتقا لغرض هذا الترخيص ، و من أجل تجنب الشك يعتبر تزامن المصنف مع صورة متحركة – حيث يكون المصنف عبارة عن مصنف موسيقي أو اداء تسجيل صوتي – مصنفا مشتقا من المصنف الأصلي لغرض هذا الترخيص.

المصنف الجماعي

هو عبارة عن مجموعة من المصنفات الأدبية أو الفنية كالموسوعات و المقتطفات الأدبية المختارة أو الأداء أو التسجيلات الصوتية أو البرامج الإذاعية أو غيرها من المصنفات أو الأعمال غير المصنفات الواردة في المادة 1ز [i] و التي تشكل إبداعات فكرية التي تشتمل على هذا المصنف بأكمله بشكل غير معدل إلى جانب واحد أو أكثر من الإسهامات الأخرى ، التي يمثل كل منها مصنفات منفصلة و مستقلة بحـد ذاتها و التي يتم تجميعها معا في مصنف جماعي واحد ، و لا يعتبر المصنف الذي يشكل مصنفا جميعا مصنف مشتق لأغراض هذا الترخيص.

و يعتبر مفهوم المشاركة الإبداعية نقلة حضارية كبيرة في مفهوم المصنفات الفنية و حقوق الملكية الفكرية فهو أتاح للمبدعين التشارك مع حفظ حقوق كل منهم في الجزء الذي أبدع فيه ، بالإضافة إلى حفظ حقوق المبدع الأول في حالة المصنف المشتق.

من هنا بدأ مفهوم جديد للإبداع فلم يعد محكترا من قبل المبدع بل أصبح يمكن المشاركة في المنتج الأصلي في تطويره و توزيعه و من أهم الأمثلة التي ساهمت في هذا المفهوم الجديد لحقوق الملكية الفكرية هي برامج المصادر المفتوحة.

لم يطلب أحد رسما على الثلاجات

(ترجمة لمقالة رك فالفنج [ii] (Nobody Asked For A Refrigerator Fee)[iii] ، وهو مؤسس حزب القراصنة الذي يدعو -ضمن ما يدعو له- لإصلاح قوانين حقوق النشر ويشرح في هذه المقالة بعض أبرز مشاكل قوانين حقوق النشر.)

أعيش في عاصمة السويد ستوكهولم ، كانت إحدى أكبر الشركات المُوظّفِة في المدينة قبل مائة عام تدعى “ثلج ستوكهولم” ؛ كان عملها بسيطا لكنه كان ضروريا ، كانت توزع الثلج بقوالب يمكن حملها ليستخدم في حفظ الأطعمة التي يمكن أن تتعفن ، كانت تقطع كتلا ثلجية ضخمة من البحريات المتجمدة في الشتاء و تحفظها في مخازن ضخمة داخل نشارة الخشب ثم تقطعها لأجزاء أصغر وتبيعها في الشوارع ، كان الناس يشترون الثلج و يضعونه مع الطعام في صناديق خاصة ليتمكنوا من حفظ الطعام مبردا.

(لهذا السبب لا يزال بعض كبار السن يسمون الثلاجات “صناديق الثلج“.)

عندما دخلت الكهرباء بيوت ستوكهولم في النصف الأول من القرن الماضي بددت الحاجة لموزعي الثلج أولئك لأن كل ما كانوا يقومون به نشر إمكانية تبريد الطعام ، و لكن الناس تمكنوا فجأة من القيام بذلك بأنفسهم.

تم ذلك بسرعة في المدن ، و مع توفر الثلاجات حوالي عام 1920 ، صار في كل بيت ثلاجة بحلول نهاية ثلاثينيات القرن الماضي ؛ و قُضي على واحد من أكبر المُوظّفِين في المدينة (موزعي الثلج) بفضل تطور تقني.

خلق ذلك كثيرا من المآسي على مستوى أفراد لأن كثيرا من بائعي الثلج فقدوا مصدر قوتهم واحتاجوا التدريب على وظائف جديدة في مجالات مختلفة تماما. كان عملهم كبائعي ثلج شاقا لكن اختفاء المهنة كان عليهم أشق.

لكن ثمة بعض الأشياء التي لم تحدث نتيجة تبدد مهنة توزيع الثلج :

v      لم يُقاضَ أي مالك ثلاجة على توليده الثلج بنفسه وعلى تجاهل الشركات الموزعة للثلج.

v      لم يقترح أحد قوانين تُجرّم شركات الكهرباء إذا ثبت أن الكهرباء الذي توفره أستخدم بطريقة دمرت و ظائف بائعي الثلج.

v      لم يطلب أحد رسما شهريا على الثلاجات من مالكيها.

v      لم تُقَم ورش و ندوات لإظهار إجماع على أهمية بائعي الثلج للاقتصاد برمته.

v      بل بُدّد احتكار التوزيع ، و تجاهله الناس ، و استفاد الاقتصاد برمته من اللامركزية التي نتجت لإنتاج الثلج.

نشاهد حاليا تكرارا لنفس السيناريو لكن الموزعين هذه المرة (و هم الشركات التي تعتمد على حقوق النشر) لديهم الجرأة على المطالبة بقوانين وتشريعات خاصة وعلى القول أن الاقتصاد سينهار إذا غابت خدماتهم (غير الضرورية) ، لكن التاريخ علمنا مرارا أن اختفاء حرفة شيء جيد لأنه يعني أننا تعلمنا شيئا جديدا و أننا تعلمنا القيام به بصورة أكثر فعالية و دائما تظهر مهارات وحرف جديدة إثر هذا التغير.

تكرر الشركات التي تعتمد على حقوق النشر قول أننا إن لم نحول أسلوب التوزيع الاحتكاري إلى قوانين يُعاقب من يخالفها بعقوبات لا متناهية أن لا أحد سينتج أعمالا ثقافية أبدا ، لكن و كما علمنا التاريخ مرارا وتكرارا : هذا هراء.

صحيح أن تلك الشركات قد لا تتمكن من إنتاج مقطع موسيقي واحد بأقل من مليون دولار  ؛ لكن لا يمكن أن يشرعنوا احتكارهم بناءً على تكاليفهم إن كان غيرهم قادرا على القيام بنفس ما يقومون به بمبالغ أقل بكثير (تصل إلى الصفر!). لم يسبق في التاريخ أن توفرت الموسيقى بالمقدار الذي تتوفر فيه اليوم والسبب أن كل واحد منا يحب أن يبتكر ، معظمنا لا يقومون بذلك لأجل المال بل لأجل طبيعة فينا و هي أننا على مر الأزمان نبتكر.

لكن ماذا عن الأفلام؟ والأعمال التي تكلف مئات ملايين الدولارات؟ توجد أمثلة على أفلام أنشئت في جراج (بل إن أحدها تغلب على فيلم كازبلانكا الشهير وأصبح أكثر فيلم مشاهدة في تاريخ بلده). لكن قد تكون تلك الحجة أقوى لمعظم الإنتاجات السينمائية التي نالت الشهرة.

سأتجرأ هنا لأقول أنه حتى لو لم يمكن إنتاج نفس الأفلام مادامت الإنترنت و حريتنا المدنية موجودة ، فلعل ذلك مجرد تطور طبيعي لثقافتنا.

بطبيعة عملي في حزب القراصنة ، أمضي وقتا طويلا مع شباب يافعين. ما أذهلني أنهم لا يتابعون الأفلام أو على الأقل ليس بنفس الدرجة التي كنت عليها عندما كنت في سنهم. ربما كما تخلصتُ من تلفزيوني قبل 15 عاما ، هذا تطور طبيعي آخر لثقافتنا ، لن يكون غريبا إن انتقلنا من نمط ثقافة المتلقي إلى نمط ثقافة المشارك في هذا العصر.

تذكروا أنه فيما سبق كانت الأوبريتات وعروض الباليه ومسلسلات الراديو من أشهر صور الثقافة ولا أحد قلق من أن تلك الصور نالت شهرتها في فترة ما ثم انتقل المجتمع بعد ذلك إلى صور ثقافية أجدد. لا معنى لأن نحول صور الثقافة الحالية إلى قوانين وأن نمنع التغييرات التي تحدث على مر الأزمان.

ألاحظ في كل المجالات أن الاحتكارات القائمة على حقوق النشر يجب تقليصها لنسمح للمجتمع بالانتقال من قبضة الثقافة والمعرفة الحاضرتين ، معظم الشباب يعتبرون النسخ و التشارك طبيعيا و لا يرون فيه مشكلة و يعتبرون أي شيء خلاف ذلك “ضربا من ضروب التخلف القديم”.

والشباب حتما لا يعترفون ب”رسم شهري مقابل امتلاك ثلاجة”!


[i] هو تفسير معنى كلمة مصنف و ورد في الفقرة 1/ز ” المصنف : هو كل عمل مبتكر أدبي أو فني أو علمي أيا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه و أهميته أو الغرض من تصنيفه”