بدأت الحركة السياسية المصرية الحديثة من وجهة نظرى مع إنطلاق ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول وكانت البداية الحقيقية نحو أفق مصرى جديد , نتج عنه دستور 1923 ويُعد أقوى دستور مصرى إلى الآن مقارنة مع الدساتير التى تلته ومن ثم تشكلت اول رئاسة وزراء مصرية بقيادة سعد زغلول فى العام التالى لوضع الدستور .
ومنذ انطلاق هذه اللحظة بدأ يتشكل الوعى الفكرى المصرى المعاصر وصولاً إلى يومنا هذا , ولقد لاحظت أنه توجد فى مصر عدة أجيال فكرية وليست عمرية , بداية من الجيل الذى عاش أمجاد ثورة 1919 ثورة التحرير وتمتع بثمار الليبرالية والمناخ الفكرى والثقافى الذى ساد تلك الفترة والذى انعكس بشكل واضح على الحياة السياسية والبرلمانية ولكنه للأسف كان ضعيفاً على الجانب الإجتماعى , مما مهد لظهور الجيل الثانى , الجيل الثائر الثورى الإشتراكى الذى حلم بالتغيير وكان هاجسه العدالة الإجتماعية ومصلحة المواطن المصرى الفقير وضمان حقه فى مساواة عادلة مع الطبقة المخملية , ومهدت تلك الأفكار إلى جيل مصرى عسكرى من أبناء الفلاحين الفقراء بالأساس إلى الرغبة فى التغيير الحقيقى , وبذلك كان هناك جيلان فكريان كلاهما إشتراكى حلم بالعدالة الإجتماعية على طريقته ,وسرعان ماترجم الجيل الثالث أفكاره فى شكل عملى وإنقلب على السلطة ومالبث أن شاركهم الجيل الثانى الحلم وأكتملت ثورة الإشتراكية التى حملت فى جنباتها جيلان فكريان متوازيان مع بعض الإختلافات الطفيفة بينهما , التى سرعان ما ظهرت بمجرد إستيلاء الجيل الثالث على السلطة وبداية الطغيان السياسى والإستبداد العسكرى .
وهكذا إنقضت فترة الستينات ثلاث أجيال متناحرة فى الخفاء , جيل ليبرالى مقت ثورة 1952 ولازال وجيل إشتراكى منهزم بعد تلاشى أحلامه الوردية وجيل ثالث مستبد ومتسلط .
فى تلك الإثناء كان هناك شاب إسلامى قومى طامح , إسمه “حسن البنا” بدأ حياته قبل ثورة 1952 ولكنه لم يلقى تأييدا كبيرا وسرعان ماقُضى عليه بعد ثورة 1952 مخلفاً ورائه بعضا من أفكاره التى آمن بها البعض وظل يعمل وفقاً لها فى الخفاء وبمساعدات خارجية تحمل راية نفس الحلم مما أدت إلى ظهور الجيل الفكرى الرابع وهو الجيل الإسلامى القومى .
ومع نهاية الستينات كان الجيل الخامس التطور الطبيعى للحالة الإنهزامية المصرية فى ذلك الوقت , نشأ جيل الحركات الطلابية , الجيل الشيوعى وبدأ بالتغيير قليلاً , إلى أن ذابت تلك الأجيال الفكرية الخمسة فى نسق واحد وتحت راية واحدة لتختفى النزاعات الفكرية مؤقتاً فى عبائة الهدف المشترك , ألا وهو الحرب والرغبة فى الإستقلال التام !
وبمجرد إنتهاء الحرب وإستعادة سيناء حتى طفت النزاعات مرة أخرى على السطح , وفى تلك الفترة هاجر معظم أفراد الجيل الأول وأختفى الجيل الثانى وتسلط الجيل الثالت وأعطى السادات الفرصة الذهبية للجيل الرابع فى الظهور الشرعى بعد أعوام من المعاناة فى ظل نظام عبد الناصر , وذلك ليكسر شوكة الجيل الخامس فقط !
واستمرت النزاعات التى أسفرت عن إنقراض الجيل الخامس بعد إضطهاده فى السجون والجامعات وإيداع بعض المؤمنين به المصحات العقلية وبدأ منذ تلك اللحظة التغير الحقيقى فى المجتمع المصرى وثورة الإنفتاح الإقتصادى !
فى تلك الأثناء قررت بقايا الجيل الثانى المختفية الهجرة لدول الخليج بحثاً عن الأمان الإقتصادى .
وفى ظل تلك الصراعات إنقلب السحر على الساحر ورد الجيل الرابع الصاع صاعين للسادات حين حاول قمعهم بعدما أدرك متأخرا مدى خطورتهم وقتلوه لينتهى عصر ويبدأ عصر جديد , عصر تغييب المواطن !
واختفت الشخصية المصرية فى طاحونة البحث عن الغذاء والمسكن وبعضهم آثر الأمان على الحقوق وإنتهت بمجتمع باهت , فقير ثقافيا وإجتماعيا ومحطم سياسيا , ومن ثم بدأ أصحاب الجيل الثانى فى العودة مُحملين بأفكار الصحراء وكثير من الأموال وإنضموا تلقائيا للجيل الرابع مشكلين قوى سياسية وإقتصادية منظمة لا يُستهان بها وظلت تحقق أهدافها فى الخفاء مُنتهجة نهج السلحفاة فى صراعها مع الأرنب الذى أعياه غروره, إلى أن جائت اللحظة الحاسمة لحصد نتاج عملهم بعد تنازع القوى السياسية المختلفة إبان ثورة 25 يناير , حيث بدأ الجيل الإسلامى القومى فى حصد نتائج الثورة وهى فى مراحلها الأولى مع العلم أنه لم يكن طرفا فيها منذ البداية ولكن تنظيمه وغرور النظام السابق أدى إلى سيطرته على الأجواء مُعلنا ظهور طاغية جديد على الساحة المصرية لا يقبل الإختلاف مستميتاً فى الدفاع عن أفكاره !
إن الجيل الذى قام بالثورة هو خليط من تلك الأجيال , من أقصى اليمين لأقصى اليسار، ولكنه حديث العهد بالسياسة فقد بدأت أطرافه تتناحر مع ظهور أولى بوادر الثورة بسقوط حسنى مبارك رأس النظام مما أخلى الساحة للجيل الإسلامى القومى الذى نصب نفسه حاميا شرعيأ للبلاد !
أعتقد أن الفترة القادمة تحمل فى طياتها سيناريو مشابه للسيناريو الجزائرى وربما تكون البدايات الحقيقية للثورة الرابعة فى العصر الحديث !
ومازالت هناك بريقة أمل , للخروج من ذلك المأذق ولن يحدث هذا إلا بتسليم السلطة والعمل على دستور إئتلافى يجمع فى طياته كافة الإختلافات والإتجاها الفكرية , دستور لا يعرف مرجعيات قومية أو دينية , دستور يستطيع أن يحيا به الإنسان !
الجيل الأول ليبرالى
الجيل الثانى إشتراكى إجتماعى
الجيل الثالت إشتراكى عسكرى وتحول لطاغية مستبد
الجيل الرابع إسلامى قومى
الجيل الخامس شيوعى
2 تعليقات على التجربة المصرية السياسية الحديثة
أهلًا ريهام، رغم الشمولية التي أحاطت بمقالتك، والتي أظنه تعميم واجب لدراسة ظاهرة أو تحليلها أو بلوغ نتائج نهائية بشأنها، إلا وأني تابعة مقالتك بنهم من أولها لآخرها. لا أستطيع أقول أني أوافقك الرأي مائة بالمائة، ولا أختلف معك كذلك، وإن كانت الاستثناءات تثبت القاعدة، فما ذهبت إليه من خلال هذه المقالة جدير بالدراسة المتأنية والمستفيضة في ورقة أكبر.
تحياتي
مشكلة الثورة المصرية أن من دعا لها لم يحلم أو يتصور أن يأتي أنتصاره بهذا الشكل أتذكر قبل “يوم 25″ بأربعة و عشرين ساعة كنا نتجاذب الحديث حول الغـد و هنعمل أيه ! ، حتى قال أحد الأصدقاء قائلا : أذا ما أتقبضش علينا نتقابل بالليل في القهوة عايز أعوض تاري الأسبوع اللي فات …
يمكن البعض يبص للتعليق البسيط التلقائي ده في وقته أنه غريب لكن كان معبر بشكل كبير أن اللي نزل يوم 25 ماكنش يتصور أن النظام هينهار بالشكل السريع زي ما شوفنا كلنا ، و الحركات السياسية المختلفة من أقصى يمنها إلى أقصى يسارها ماكنتش جاهزه للحظة دي بأجراءات واضحة المعالم لكن كانت كل حاجة بتيجي وليدة اللحظة و الصدفة في أحيان كثيرة بدون تخطيط ، التيار السياسي الوحيد اللي كان منظم بشكل كبير و مؤسسي هو الأخوان فكان من السهل عليهم القفز على الثورة و اقصاء التيارات الأخرى … رغم أن كل التطورات اللي عشناها قبل يوم 25 كان بينبىء بيها ، و أخذ البعض يتحدث عن ثورة جياع و البعض يحلم بثورة اشتراكية يقودها العمال خاصة بعد أحداث المحلة ، لكن نسوا شىء في غاية الأهمية أن الشارع الذي وقف معهم بعيد كل البعد عن الفكر الثوري ينظر للأمور بشكل خاص جدا ، وظهر ده واضح في نتيجة الاستفتاء ، و بشكل أوضح في نتيجة الانتخابات رغم أن الأخوان توجههم الأقتصادي لن ينبىء عن جديد لكن هل رجل الشارع العادي يعرف أن التخطيط الاقتصادي للأخوان هو نسخة لكن مطعمة ببعض الآيات و الأحاديث من خطة المخلوع … بالطبع لا
قلتها قبل كده و هقولها تاني الشارع من السهل أنه يثور مرة تانية ليصحح المسار لكن يجب على التيارات السياسية أن تعرف كيف يفكر رجل الشارع العادي و أن تتعامل معه بدون تعالي أو الفاظ براقة ، و لكن بحقائق على أرض الواقع