لم تختلف الرواية العربية كثيرا عن الرواية التوراتية والأدب الملحمى , وتبنت العرب قبل الإسلام قصة بلقيس بنفس تفاصيلها التوراتية مع بعض الإختلافات فى قصة لقاء بلقيس بسليمان الحكيم, فجعلوا بلقيس إمرأة مشعرة ذات شعر فى ساقيها وأدعوا أن الجن رغب فى إقصائها عن سليمان خشية منها على مملكتهم وقربهم من سليمان , فأوحوا لسليمان أن يرى ساقيها وحينما نظر الشعر نفر منها, فأجابته بجملة شهيرة ” الرمانة لا تعرف حلاوتها إلا بعد تذوقها” وأمر سليمان بأن يزيل الجن الشعر من على ساقها ورافقوها للحمام , وتعددت وجهات النظر فى سبب إضافة العرب لهذا الجزء,بعضهم ظن أن العرب أضافوا لها الجزء المتعلق بالشعر نظرا لأنها كانت إمرأة مسترجلة “تحب النساء” , وأرتئ البعض الآخر أنها نصف جنية ولذلك كانت مشعرة وذات حوافر حمار!!! , وتناقلت القصة بين عرب الجنوب , وتم الخلط بينها وبين ملكات عربيات أخريات مثل “الزباء” أو “زنوبيا” كما وصلتنا اللقيات الأثرية على ذكرها , وهى ملكة تدمر والتى إدعى العرب أنها كانت مهر سليمان لبلقيس وأنها دفنت هناك , بل إدعى العرب المتأخرون بعد الإسلام أن إبنها دفن هناك أيضا , والشبه بين قصة بلقيس والزباء كبير فى أصولهن وطريقة تملكهن , كما إدعى البعض أن الزباء كانت مسترجلة تشتهى النساء وأضافوا لها موضوع الشعر ولكنهم جعلوه شعر العانة عند الزباء , كما أن كلاهما ذات إسم مستعار , فالزباء إدعى البعض أنها فارعة أو ربما تكون هند !! ولا أحد يعلم ولكن الأكيد ان الزباء هى زينوبيا التى أكد وجودها علماء الأركيولوجيا حينما عثروا على لقيات أثرية تفيد ذكرها وعلاقتها بتدمر مملكتها , وكانت زينوبيا ملكة من ملكات عمالقة الشام , ولذلك إرتئ عرب الجنوب قبل الإسلام وقبل ميلاد المسيح عدم إعطاء الحكاية التوراتية بالاً وإعتبروها قصة لا أكثر ولم يُعنوا أنفسهم فى البحث والتنقيب عنها ظنا منهم أنها تحمل الكثير من اللغط فى أصلها ووجودها والتى ربما سيتم الخلط بينها وبين ملكات عربيات أخريات , وهكذا وقع عرب الإسلام فى ذلك اللغط حينما أسبغوا على قصة بلقيس شذرات من قصة الزباء أو زنوبيا وأضفوا على بلقيس صيغة القدسية , وحوروا فى القصة قليلا لتتماشى مع وجهة نظرهم , فى أن بلقيس هداها الله وتزوجها سليمان وأقامت معه سبع سنين وسبع أشهر إلى أن توفاها الله ودُفنت فى تدمر , وهناك رواية تقول أن قبرها تم إكتشافه فى تدمر فى عهد الخليفة الأموى الوليد وأنها تزوجت سليمان فى يوم عاشوراء! وقيل أيضا أن جثتها كانت سليمة ولم تبلى !!! , ولقد نأى الحديث القرآنى عن ذكر أى من هذه الأخبار المتعلقة ببلقيس , وذكر ملكة سبأ فقط مصحوبة بقصة إتيان العرش فقط !!
ولقد تم الخلط أيضا بين بلقيس وبين “سيمراميس” ملكة آشور وهناك شبه كثير بين أصول بلقيس أيضا وأصول سيميراميس التى وجدت فى الفترة مابين 700 و 800 قبل الميلاد وهى الفترة المزعومة تقريباً لوجود بلقيس !!!, وقد وُجدت لُقى أثرية تؤكد وجود سيميراميس فى حين أنه لم يتم العثور على أى لُقى أثرية تثبت وجود المدعوة بلقيس من أساسه !

وبينما تشابهت الرواية العربية والعربية الإسلامية , فقد إختلفت الرواية المسيحية بعض الشئ وظهرت فيها بلقيس او ملكة التيمن بشكل مثالى طاهر وجميل وكانت سبب فى نقل مملكة سليمان من اسرائيل الى الحبشة عن طريق ابنهما نتاج علاقتهما الجنسية وخاتم سليمان الذى كان يحمله وذهابه إلى سليمان حينما إشتد عوده كما إتفق وبلقيس وترحيب سليمان به ومن ثم سرقته للتابوت الإلهى ولقد تمتعت بلقيس فى تلك الرواية بمكانة فريدة وستعود فى آخر الزمان مع المخلص !!

رأى شخصى
أعتقد أن القصص التوراتى تأثر بشدة بقصة سيميراميس الآشورية وخصوصا أن النصوص التى ذُكر بها بلقيس كُتبت بعد العودة من السبى البابلى , وكعادة أدبيات اليهود وملاحمهم التى حاولوا بها إثبات الميثولوجية التوراتية من عصور متأخرة حتى تضفى القداسة على روايتهم وعلى مملكتهم المزعومة , والتى خضعت لها بلقيس الوهمية !!, ومن الصعب التكهن بحقيقة بلقيس وربما كانت هناك ملكة سبأية عظيمة الشأن ولكن أضفت الحكايا علي سيرتها من الخيال دروب ومن ملكات أخريات بعض الصفات، ولكن المؤكد فى الوقت الحاضر أنه لا أثر لبلقيس فى اللٌقى الأثرية المكتشفة فى جنوب اليمن إلى الآن ولم تذكرها الوثائق الآشورية ولا المصرية ولا السومرية أطلاقاً , ونحن فى إنتظار المزيد من الإكتشافات الأثرية التى ربما تكون أكثر قدرة على إخبارنا بالحقيقة المزعومة لتلك البلقيس

المصادر

العهد القديم
الحدث التوراتى والشرق الأدنى القديم
آرام دمشق وإسرائيل فى التاريخ التوراتى
بلقيس شيطانة الجنس والألغاز

بلقيس