لقد تعددت الروايات والحكايات فى أدبيات الشعوب المختلفة عن تلك المرأة الحكيمة ذات
الدهاء , المرأة التى سيطرت على الرجل المنكاح وأجبرته على التخلى عن عاداته فى تبديل النساء كما يبدل الرجل المعاصر جواربه , التى قد يصل أحدهم حد النظافة الشخصية التى تجعله يغير جوربه على الأقل ثلاث مرات فى اليوم , وعلى سبيل المجاز لنتخيل ذلك الملك المنكاح الذي لا يشغله سوى نكاح النساء وبغض النظر عن القدرة الجنسية أم لا ! , فقد إعتدنا المبالغة فى القصص الشعبى وحكايا الملاح إلى أن ظهرت شهرزاد , ملهمة الرواة والموسيقيين والأدباء على مر العصور .
ولقد تفوقت شهرزاد على قريناتها فى أدبيات الشعوب وانهارت أمام سحرها الكثيرات ممن لم يذع صيتهن خارج حدود البلاد , وربما أثرت الإمبراطورية الفارسية فى تثبيت صورة شهرزاد وطمس كل من حاول منافستها فى الحكمة والدهاء , إلى أن ظهرت بلقيس “شيطانة الجنس والألغاز” هكذا لقبوها قديما فى الأدبيات العربية الجنوبية “اليمن” وأضحت بلقيس هى رمز الحكمة والدهاء وأستطاعت إزاحة شهرزاد معتلية عرشها بكل سهولة وبدون أدنى عناء ! , بل وجعلتها تتراجع إلى أن أضحت صديقتنا العزيزة شهرزاد مجرد حكاية من حكايات قبل النوم وأصبحت بلقيس تاريخ لا يقبل الإنهيار.
من هى بلقيس ولماذا هى دون غيرها أضحت تاريخ متخطية عقبة متاهات الحكايا والأدبيات؟ , وهل كان لها دخل فى ذلك ؟ ام أن أحدهم حشرها حشرا ً فى التاريخ ورسم على ملامحها إمبراطورية لا تتعدى أن تكون سوى خيال؟ !!!
وصلتنا حكاية بلقيس أو ملكة سبأ كما إدعى البعض أنها هى ذاتها بلقيس عن طريق أدبيات التراث اليهودى و الحكايا الشعبية العربية الجنوبية وتطورت الحكاية إلى أن وصلت فى أدبيات التراث المسيحى ولكن بشكل مقتضب وبإسم مختلف “مكِدا و كندكة” ومن ثم ذُكرت فى القرآن فى “سورة النمل” , هل حقا ُ يوجد من تُدعى بلقيس؟!
تدور أحداث الحكاية فى جنوب الجزيرة العربية فى اليمن , وفى سبأ على وجه التحديد , وتقول الحكاية التوراتية بما أنها الأقدم , أنه كانت هناك ملكة تدعى بلقيس أو بلقمة وكانت تملك من كل شئ وكانت الحياة فى عهدها مزدهرة وينعم شعبها بالرخاء , حتى وصل بهم رخائهم حد المرض !, كما أنهم كانوا قوما ً ذوات بأس وقوة , وبالنسبة لنسب تلك البلقيس, فأنها وُلدت لإنسى تزوج بجنية وأنجبا ثلاث أطفال كبيرهما ذكر وبلقيس الوسطى والأصغر كان ذكرا ً أيضا ً , وبما أن أمهم كانت جنية , فكانت حين تحين ولادتها تترصد لها كلبة وحينما يتم طفلها العام تقوم الكلبة بسحب الطفل من قدمه وتختفى , وحينما إعترى الملل أبو بلقيس عاتب زوجته , فأخبرته أن الكلبة تحفظهم فقط وتعلمهم مالا يعلمون ومن ثم تردهم حين بلوغهم الخامسة , وأخبرته أنه بالنسبة لولده الأكبر فقد توفى والأصغر سوف يموت بعد عودته وبلقيس تبقى له وتورث مُلكه ! , ومن ثم تقتطع الحكاية تاريخ بلقيس الطفلة والمراهقة وتوصلنا مرة واحدة ببلقيس المرأة ذات الجاه والسلطان , المرأة شيطانة الجنس التى تحب النساء والتى تمتلك أكثر من ثلاثمئة وستين وصيفة , تستقدمهن أطفال وتربيهن وحينما يبلغن تعرض على أسماعهن ما لذَ وطاب من أحاديث الجنس فإن تغير وجه إحداهن وظهر منها النفور أصرفتها من حاشيتها وزوجتها من أشراف سبأ , وإن أبدت إحداهن إستمتاعها ورغبتها فى سماع المزيد أصبحت واحدة من عشيقات بلقيس , العاشقة الحارة التى تعتنى بعشيقاتها , ومن ثم يتداخل الأدب الملحمى فى وصف حكمة ودهاء بلقيس وذلك حين تعرض لمملكتها شخص يدعى “عمرو ذى الأذعار” الذى ينافس صديقنا شهريار فى حبه للنساء وبأسه وشدته وقوة جيوشة,حيث أغار على مملكة بلقيس وتحايلت عليه بحكمة ودهاء وأستسلمت له وعرضت نفسها عليه , ونوى كعادته أن يتمتع بها ليلة ويقتلها كما فعل مع غيرها من ذوات الجاه , ولكنها تحايلت على سمعه الذى كان نقطة ضعفه كما كان نقطة ضعف صديقنا شهريار ولكن عمرو لم يكن ليقارن بشهريار الذى لم ترتضى أذنه أى كلام بل طالب بحكايا استمرت لمئات الليلات إلى أن إستنفذت صحة صديقتنا العزيزة شهرزاد , فعمرو كان سهل الإيقاع به ولا أدرى هل حقا بلقيس حكيمة فيما فعلته ؟! , وهل حقا لم يخطر لمن سبقوها من نساء تلك الحيلة الواهنة !, لقد ملكت بلقيس أذنى عمرو عن طريق مجابهته فى الجنس وإصرارها على أن تتمسك بالذمام وبدأت هى بإلقاء أجمل العبارات على مسامعه وأخبرته كم تشتهيه , ولقد وقع عمرو المغوار بكل سهولة فى الفخ وأسكرته بلقيس ومن ثم قتلته وأستعادت إمبراطوريتها وذاع صيتها فى كل مكان , إلى أن وصل صيتها سليمان , الملك التوراتى صاحب أكبر ملحمة شعبية فى أدبيات التوراة , الملك المنكاح المحب للنساء , الذى كان حبه للنساء يطغى على حبه لأى شئ عداه , والذى تسبب فى غضب الرب على بنى إسرائيل وذلك حيثما كان سليمان فى كبره إستمالته نساء صغيرات لعبادة آلهتهم والتخلى عن إله إسرائيل !!! , ووصل نبأ سليمان بلقيس فخافت وأرتاعت وقررت الترقب والإنتظار ربما كان حقا نبيا , وأرتأت الحكمة العظيمة التى تمتعت بها بلقيس التوراتية حدود الخيال , فقد أمرت بإرسال جوارى وغلمان جميعهم ولدوا فى نفس اليوم ونفس العام لسليمان وألبست الفتيات لبس الغلمان وألبست الغلمان لبس الفتيات وبعثت خيل مخلوطة لتختبر سليمان فى التفرقة وتبيَن الفتيات من الغلمان , وفعلها سليمان الحكيم كما كان سيفعلها أى شخص كان فى موقفه ! , ومن ثم قررت أن تذهب له بنفسها لتختبره بأم عينيها النجلاوان , فوجدت سليمان يرحب بها أحر ترحاب , فقد أعاد بناء قصره ليناسب ذات الجاه والسلطان وأحضر عرشها حينما أختبر الجان وسألهم أيكم يأتينى بعرشها قبل أن تصل ! , وفعلها جنى هُمام وأحضر عرشها وحينما رأته بلقيس تظاهرت بعدم الإكتراث وتمادت فى شيطنتها وقررت أن تسأل سليمان الحكيم ثلاثة أسئلة لتحكم عليه أهو نبى أم لا ؟
وها هى بلقيس ذات الذكاء الخارق تسأل سليمان ثلاثة أسئلة , أولها هل يوجد ماء بغير أرض أو سماء ؟ وكيف يُحسم شبه الطفل لأبوه أو لأمه ؟ وما هو لون الله ؟
وأجابها سليمان بعدما إستعان برأى الجمهور , أقصد الجان , حينما أحضروا له عرق حصان وقال لها ها هو ماء بدون أرض أو سماء , وبالنسبة للشبه إذا زاد ماء* الرجل عن ماء المرأة كان الشبه للوالد والعكس صحيح والسؤال الثالث ألهمه جبريل أن الله أنساها السؤال , اسألها عنه ستجدها نسيته ! , وهكذا خضعت بلقيس وإنضمت لحريم السلطان إلى أن سأمها وطلقها وحينما إعترضت عرض أن يزوجها شريف من قومها , فأبت أن تتزوج وهى التى كانت معرضة عن الرجال !
* من المعروف والذى لا يحتاج إلى توضيح أنه لا يوجد ما يُدعى بماء المرأة , الحمل يتم عن طريق الجينات التى تحملها الكروموسومات التى تتم مناصفة بين الحيوان المنوى والبويضة , والإفرازات ليست سوى مُلين ومسهل لعملية الإيلاج , ويغلب شبه إحدى الوالدين على الطفل تبعاً للجينات السائدة والمتنحية أيهما جيناته أقوى .
ومن المعروف أن هذا الحديث تم تداوله فى شبه الجزيرة ونُسب للنبى محمد ولا أدرى صحته وهل حقا قاله محمد “ص” أم لا ؟!!
2 تعليقات على بلقيس “ملكة سبأ” فى الرواية التوراتية والأدب اليهودى – الجزء الأول
أهلا وسهلا ريهام على موقع شباب الشرق الأوسط،
استمتعت تمامًا بقراءة مقالتك الأولى، وسردك لتاريخ ما تُدعى بلقيس بين اليهودية والقرآن، وابتسمت كذلك لسماع رأي “الجمهور.”
سؤال عن الصورة، هل هذه بلقيس أم باميلا أندرسون؟
شكرا يا أحمد
هذه باميلا أندرسون فى نسختها الملحمية
سعيدة بالتواصل معاكم