رسالة الفنان هي غاية نبيلة، كلمات حية تنبض بالمحبة والإخاء، تخاطب الضمائر قبل العقول، وتدوس كل ايديولوجيات الحقد والكراهية، هي رسالة من أجل الإنسان الطاهر، والجسد العاري من كل أرثان البؤس السياسي أو العقدي، لم يكن يوما الفن الحقيقي وسيلة لتبرير القهر والإضطهاد، أو مغازلة الدكتاتورية من اجل الاسترزاق والمصلحة، فالفنان قبل كل شيئ هو صوت الحياة التي تعيش فينا وتتغذى من احلامنا الكونية، عاليا فوق كل الحدود والمسارات الهولامية التي يصنعها الأشقياء والتعساء الذين اغتصبوا الأرض ومن عليها، وحرموا الفرد حق التميز والإختلاف
لم يعترف الفنان يوما بحدود الجغرافيا والتاريخ، عاش في عليائه مع همه الانساني بعيدا عن كل الحواجز المسطنعة ، اسرائيل هي احدى هذه الحدود، وزهرة هندي هي الحمامة التي ارادت لرسالتها أن تكون هناك هاته المرة، ارادت ان تخاطب الانسان بعيدا عن لغة ولون عرقه، دينه أو انتمائه الجغرافي.. حضر لها جمهور من كل أطياف المجتمع فهي لم تغني للصهاينة فقط كما فهم البعض، فصوتها امتزج وتراقص مع مشاعر الكل حتى انصار السلام الذين شاء قدرهم أن يكونوا جيلا جديدا لم يختر ان يولد بجغرافية معينة كما لم اختر انا ان اكون مغربيا عربيا أو أمازيغيا … داعمي القضية الفلسطينية أيضا مرورا وليس حصرا بعرب 48 والطلبة الفلسطينين بجامعات ومعاهد تل أبيب، الذين ما كانوا ليحلموا بلقاء هندي لولا تفضلها بزيارتهم، كلهم شربوا طربا واستمتعوا بتواجدها بينهم
لم تكن جل الإنتقادات والهجمات والإتهامات التي تعرضت لها هندي لتعي معنى رسالتها، أو تحاول تفكيك مرامي الفن من السياسة، هم دعات المقاطعة ولا أعتقد أنهم اكثر إخلاصا لفلسطين من رمز المقاومة والنضال التحرري الشاعر الكبير محمود درويش الذي قد نعتبره خائنا اذا اعتمدنا فهمهم المشوه للخيانة بسبب علاقة الصداقة القوية التي كانت تربطه بالروائي اليهودي الإسرائيلي عموز عوز، فلنقل عنه ايضا انه صهيوني وخائن
يجب على هذه التيارات مراجعة نفسها والايمان برسالة الفن الأصيلة فالفن لايجد طريقه الا للقلوب الانسانية ولا علاقة له لا من قريب ولا بعيد بمن يقتلون الأطفال أو يهدمون المنازل، ان غناء زهرة هندي باسرائيل هو اذانة لكل الحركات العنصرية التي تقف ضد السلام سواء كانت فلسطينينة أو اسرائيلية، ودعوة من اجل الحوار الهادئ والسليم الذي يخاطب الروح قبل الايديولجويا ومتاهات العقل
لم اجد أيضا ردا لأصحاب التهم المجانية في حق الفنانين أفظل من كلام الفنان الفلسطيني مارسيل خليفة بالحفل الكبير الذي أحياه بمدينة اكادير في زيارته للمغرب، والذي خلف استياءا لذى الحاضرين في الصفوف الأولى بعد انتهاء حفلته حينما وجه لهم الخطاب قائلا: -ولو أننا لا نتشارك شيئا في الكون الا اننا نتشارك الموسيقى-. كلام بليغ وعميق في معناه … حقا فما نتشاركه جميعا هو الفن والجمال والحياة، ولا بأس في اشتراك لحظة فنية مع الفاسدين سياسيا واقتصاديا
اما اذا أردنا ان نحاكم أصحاب الاتهامات المجانية بمنطقهم، فليسمحوا لي أيضا بمطالبتهم الى الرحيل عن أرضنا لان اجدادهم كانوا عربا مستعمرين، وكتب مؤرخيهم تشهد بمدى الهمجية والإرهاب الذي مورس على الامازيغ بشمال افريقيا من سبي ونهب وقتل وتدمير، وهذا الكلام ليس انشاءا او ادعاء بل هو ما ذكره المؤرخ ابن الأثير العربي المسلم في كتابه الكامل في التاريخ…
التاريخ يتجه في تدفق مستمر نحو الامام، اسرائيل اليوم تعيش على جيلها الرابع والخامس، جيل لا ذنب له في اخطاء الماضي التي ارتكبتها كل الاطراف بما فيها فلسطين والمنتظم الدولي بغربه وشرقه هذا الجيل يجب التواصل معه والتطبيع معه من أجل خلق لوبي فني وسياسي يخدم السلام بالمنطقة… والفن هو ارقى رسالة لإيصال كلامنا المشفر الذي يعجز الراديكاليون عن استيعابه.