يتحدث الكثير من المحليلين السياسيين ان ثورة الياسمين تعيش اليوم موجتها الثانية التي أوشكت على الانتهاء اسرع مما يتوقع الكثيرين و كان من المتوقع أن تستمر اكثر من ذلك ، لكن خطوة الدعوة للانتخابات تسببت في تسارع انحسار تلك الموجة ، و للأسف الشديد لم تاتي بالثمار المنشودة منها ، فنتائج الانتخابات جاءت مخيبة لآمال الكثيرين من مؤيدي الدولة المدنية في مقابل نجاح مذهل لتيار الاسلام السياسي و بتنا نقترب أكثر من رعب الدولة الدينية …
الكثير من الناخبين المصرين وقعوا بمحض أرادتهم لصالح نظام سيكون اشد فتكا و شراسة من النظام السابق ، خصوصا و أن الثوار لم يحاولوا اللعب على أنغام الثورة الحقيقة حتى يكتسبوا مزيدا من المستمعين لهم ، فجاءت تحركاتهم مرتبكة أقرب للعشوائية ، فبالرغم من إيمان الغالبية منهم بالديمقراطية إلا أنهم اغفلوا شيئا مهما ، هو أن شعب غاب عنه ذلك المفهوم منذ عقود خمسة أصبح بعيدا عنها ، فالثورة نجحت لأن لأول مرة في تاريخ الحركة السياسية المصرية خلال اربعة و ثلاثين عاما يتحرك الشعب ككتلة واحدة ، فالدعوة للتظاهر يوم الخامس و العشرين سبقها دعوات كثيرة من و لكنها باتت بالفشل ما عدا ما حدث في المحلة الكبرى عام 2008 و التي نجحت لأنها متسقة تماما مع مطالب شعبية ، فالبرغم أنها خرجت في البداية لصالح مطالب عمالية إلا أنها سريعا ما تطورت لتصبح حركة شعبية شاملة و أميل هنا إلى الرأي الذي وصفها كشرارة أولى لثورة الياسمين في الخامس و العشرين من يناير.
شهدت أحداث المحلة لأول مرة منذ فترة ليست بالقصيرة تواجد حقيقي للقوى اليسارية في الشارع المصري شاركها أيضا قوى ليبراية متمثلة في أعضاء نشطين في أحزاب الغد و شباب حزب الوفد و عدد من الحقوقيين المصريين ، و غاب بشكل ملحوظ عن تلك الأحداث التيارات الاسلامية حتى أنني أذكر مقالة نشرت على أحد المواقع السلفية كان عنونها ” هل تكون اضطرابات المحلة الكبرى في مصر بداية تصفية الاخوان المسلمين ؟ ”
المطالب الشعبية الاساسية التي حركت تلك الجموع يوم 25 “عيش … حرية …. كرامة أنسانية” غابت عن الثوار في وقت كان لابد من استعادة تلك الشعارات لكن للاسف أستغرق الكثيرين منهم في حالة “البرجية ” ، فقد أحس العديد – منهم – أنهم أصبحوا من النخبة و أصبح يعيش في برج عالي يحدث نفسه و أبتعد عن شعار الثورة و اصبح فقط يذكره بشكل أقرب للترديد الآلي فغاب الصدق و بالتالي غابت المصداقية و التواصل بينه و بين الشارع ، أنشغلوا في الانتقام و الهدم و نسوا البناء ، على العكس من تيارات أخرى منذ الدعوة للاستفتاء على الدستور و الذي كان مفترق الطرق بين طريقين الأول استكمال الثورة و الثاني القضاء على الثورة يعملون بوقة في الشارع و يسحبون البساط من تحت اقدام الثوار ، و بدلا من تذكير الناس بمطالبهم أخذتهم الحالة النخبوية الجديدة التي اصبحوا فجأة يتعايشون معها لأول مرة في حياتهم في وقت حرج فغابت الحركة الثورية عن المشهد الانتخابي و لم يحظوا سوى بـ 3% فقـط من مقاعد البرلمان بينما القوى الرجعية و التقليدية أصبحت تسيطر على 97% من أخطر برلمان في تاريخ مصر فهو الذي سيحدد مصير تلك البلاد خلال الثلاثين عاما القادمة على الأقل …
هذا يضعنا مرة أخرى في مواجهة مع التاريخ حتى نستطيع ان نستقرأ لو سطور قليلة مما ممكن أن يحدث خلال الشهور القادمة و التي من المفترض أنها ستكون حاسمة قاطعة ، إما ثورة أو حكم ديني في غاية القسوة ، أو حكم عسكري متلون سيحاول أكتساب شعبية قوية من خلال أعطاء بعض المكاسب الشكلية للشعب ليضمن ولائه حتى يتفرغ للقضاء على التيارات السياسية الأخرى بدون أي مقاومة حقيقية …
التجربة الايرانية
خلال الفترة الأخيرة أخذ العديد من المحليلين السياسيين الدخول في مقارنات بين الثورة المصرية و الثورات الشعبية التي حدثت في أوروبا الشرقية عقب سقوط الاتحاد السوفيتي إلا أن هذا المثال ليس بالدقة الكافية فهو بعيد عن التركيبة الاجتماعية و السياسية الموجودة في مصر ، و اقرب الثورات قربا لما يحدث في مصر هو الثورة الايرانية كذلك الثورة السودانية ضـد نظام جعفر نميري ؛ أعود هنا لكتابين من أهم ما كتب عن الثورة الايرانية و هما كتاب “مدافع آيات الله” لمحمد حسنين هيكل ، و كتاب “الثورة البائسة” للدكتور موسى الموسوي ، سنكتشف الآتي إن الثورة الايرانية لم يقم بها الاسلاميين و لكن بدأت الشرارة الحقيقية للثورة في يونيو 1977 عندما قررت حكومة الشاه التخلص من أكواخ الفقراء الموجودة على أطراف العاصمة طهران بدون طرح بديل بحجة أن تلك الأكواخ تشوه المظهر الحضاري للعاصمة ، خاصة و ان إيران في تلك الفترة كانت تعيش حالة صعود أقتصادي ، و لكنه كما حدث في مصر لم يكن موجها لصالح الشعب و لكن لصالح الطبقة الراسمالية التي كانت مسيطرة سياسيا و اقتصاديا على الدولة ، لتقوم أنتفاضة شعبية قادتها التيارات اليسارية و التقدمية و التي أستمرت حتى نهاية ديسمبر من نفس العام ، و كما حدث في مصر عندما أحست التيارات الدينية أن البساط سيسحب من تحت ايديها ، و بالرغم من أن العديد من قيادات تلك التيارات كان متحالفا مع نظام الشاه في أوقات كثيرة ، لكن قوة الثورة الشعبية و التي استطاعت أن تزلزل اركان نظام كان بيعتبر من اقوى الأنظمة البوليسية في العالم خاصة بعد أن قاد التيار اليساري في إيران مجموعة من الاضطرابات العمالية التي أحدثت شلل شبه تام للاقتصاد الايراني ، أحس التيار الديني في أيران ان البساط قد بدأ يسحب من تحت ارجلهم ، فبدأت على الفور تحركات من قيادات ذلك التيار في التحرك سريعا و أنضم لهم اية الله الخميني الذي كان منفيا في تلك الفترة بالعراق و الغريب أن الذي مد له يد العون هو “صدام حسين” الذي كان في خصومة مع النظام الإيراني في ذلك الوقت ، و بدأت ما سمي و قتها حرب شرائط الكاسيت حيث بدأ آية الله الخميني من منفاه في العراق في تسجيل مجموعة من الخطب الدينية التي تحث على الثورة ليدخل التيار الديني على الخط ، إلا إن القيادة الفعلية على أرض الشارع كانت للتيار اليساري و أستطاع من خلال قيادته للأضرابات العمالية أن يحدت شلل اقتصادي في الدولة الايرانية كما ذكرت من قبل حتى جاء يوم 19 يناير 1979 ليخرج الشاة من إيران ، و في الشهر الذي يليه يعود الخميني إلى إيران و معه عدد من قيادات الثورة ، و لطيبعة الشعب الايراني المتدين بطبعه اللتف الشعب حول الخميني و بدأ مشهد جديد يرسم في لوحة الثورة الايرانية …
بداية التغيير
أنشأ الخميني حزب أسماه الجمهورية الاسلامية استغل الخميني الطبقة الفقيرة و المهمشة من الحياة السياسية في ايران و بدأ في توجيه خطابه لهم إلا أنه لم يستطع في البداية أن يجتذب الشعب الثائر ناحية مشروعه و أقتصر على عدد من الاسلاميين التقليديين ، فمنافسه التيار اليساري كان مسيطرا على اللجان العمالية و الحركة الطلابية و لم يعد أمام الخميني خاصة في الفترة ما بين 1980/1982 إلا أن يتوجه ناحية الطبقة المتوسطة و البرجوازية الصغيرة اللي كانت تضم اسلاميين معتدلين و ليبراليين كان بيمثلهم رئيس الوزراء وقتها مهدجي بزرجان ، و بالفعل حقق الخميني نجاحات ملموسة ، و لكن مفترق الطرق هنا كان في عملية اقتحام السفارة الامريكية و احتجاز الرهائن بها من خلال الخلايا الشبابية اللي سماها “حزب الله” ، ليحصل الخميني على شعبية غير عادية بعد فشل عملية تخليص الرهائن ، و العامل الأكبر الذي ساعده هو الانتماء الطبقي لمجموعة الخلايا الشبابية التي قامت بالعملية و التي كانت مكونة من الفقراء المهمشين ، لتبدأ عملية الاقصاء السياسي لباقي التيارات السياسية المشاركة في الثورة ، و من هنا بدأت سيطرة الخميني و التيار الاسلامي الراديكالي على الحكم في ايران و بدأت بعدها عمليات قمع وحشية و أطلق الخميني شباب حزب الله في الشوارع و الجامعات لقمع الغير مؤيدين لهم ، فكانوا يعتدون على النساء الغير محجبات في الشوارع بدعوى انهم خارجات على الدين ، و ضرب التيارات اليسارية بدعوى انهم شيوعيين كفار و هكذا حتى تخلص تقريبا من أغلب خصومه حتى على المستوى الشعبي و بدأ عملية السيطرة عل الجيش و تسيسه ، كما شن حملات لتغيير التركيبة الاجتماعية لإيران فتم الاستغناء عن كل المسئولين الغير موالين له في الوزارات و الشركات بمسئولين خاضعين له ، و سيطر على أجهزة الاعلام ، ساعده على ذلك أن عدد كبير من الموالين للشاه و الاجانب العاملين في ايران في تلك الفترة هربوا بعد خروج الشاه فتركوا فراغ كبير في الوظائف القيادية و الوسيطة …
لتدخل إيران في جحيم الحكم الديني المغلف بشعارات ديمقراطية و يدفع الثوار ثمن رومانسيتهم الثورية ، فالثوار عندما يبتعدون عن الحكم يصعد سارقي الثورات بسهولة خاصة إذا كان خطابهم أكثر شعبوية و قربا من الجماهير …
2 تعليقات على الموجة الثانية للثورة ( 5 )
ما حدث في إيران يتحقق تدريجيًا، ولكن المختلف هنا أن الإسلاميين لا يحتاجون لاحتجاز رهائن أمريكان لكسب تعاطف شعبي، بل هم حققوا انتصارًا “ديمقراطيًا” وفتحًا مبينًا بغزوات الصناديق المتتابعة.
لقد كتب الزميل جوزيف شفيق مقالًا هامًا على الموقع هنا قبل الاستفتاء، كان عنوانه، “التعديلات الدستورية … استفتاء على شخص الرئيس القادم“، أرجو مطالعته، أعتقد أنه توقّع ما يحدث الآن.
متفق معاك تماما أن ما حدث في إيران بيحصل في مصر تدريجي ، لكن التيارات الدينية في مصر مش محتاجة أنها تحتجز رهائن التاريخ مش بيكرر نفسه ، لكن الأخطر هو أصراراهم على أن الدستور الجديد يكتبه فقط البرلمان المنتخب بدون أي تدخل و هنا الكارثة حتى لو تم أختيار أعضاء لجنة كتابة الدستور بحسب نسب الأعضاء في المجلس هيكون ليهم الأغلبية بنسبة لا تقل عن 60% و هنشوف العجب في الوقت ده ، و ممكن هنا تبدأ حركتهم في الشارع بتحريك مظاهرات لفرض رأيهم على الناس بحجة أنهم الأغلبية
الضربة بدأت من لجنة البشري و كلنا كان عندنا تخوفات كثير منها و صدقت التخوفات