الصراع قادم ربما أكون مخطئا إذا صدقت النوايا ، و ربما أكون صادقا إذا أخذنا التاريخ مرشدا لما يحدث ، المعركة الانتخابية لم تكن نتائجها إيجابية على الثورة بل اشعلت الخلاف بين التيارات في وقت كان لابد التغاضي عنها فالوقت لن يكون في صالح احد من التيارات المتنازعة
اعود للتاريخ فهو المرشد لي في أوقات كثيرة ، في أزمة مارس 1954 كان الصراع مشابها لما يحدث حاليا بين شباب ينتمي للمؤسسة العسكرية الذي استطاع قلب الأوضاع ، و تيار ديني متمثل في الأخوان تحالف مع هؤلاء الشباب في البداية ثم بدأ في الأنقلاب عليهم طمعا في السلطة و السيطرة ، قلت في المقالة السابقة أن القوة على الأرض دائما ما تكون في صالح المؤسسة العسكرية فهي التي تملك الأفضلية دائما لما لها من تاريخ مع الشعب المصري ، بالرغم من كل الانتقاضات التي تواجهها اليوم إلا أنها مازالت تحافظ على وضع قوي بين جموع الشعب ، خاصة مع أنحيازهم من البداية مع الثورة ، ربما حدثت أخطاء تكتيكية – من وجهة نظري – إلا أن المتوقع أن تحافظ المؤسسة على وضعها الشعبي مما يجعل الصراع قاسي و صعب على الطرفين المتنازعين ، أعود مرة أخرى لأزمة مارس 1954 يذكرنا السيد عبد اللطيف البغدادي بتصرح لجمال عبد الناصر لجريدة أخبار اليوم في بداية شهر الأزمة أن مجلس قيادة الثورة رجال ثورة و ليسوا رجال سياسة ، و أن هذا التصريح يناقض ما كان يذكره ناصر في اجتماعات مجلس قيادة الثورة ، فجاءه الرد أن الثورة يجب أن تحقق أهدافها أولا …
في 25 مارس 1954 أجتمع مجلس قيادة الثورة و تكلم اللواء محمد نجيب عن الأحداث الجارية فقال :”إن البلد والرأي العام أصبحا مبلبلين ولابد من وضع نهاية لهذا” ، فرددت عليه وكنت في حالة حنق شديد منه لما نحن فيه وقلت: ما الذي يسبب البلبلة؟ ألم تحدد لهم كل شيء؟ ألم تعلن عن انتخابات الجمعية التأسيسية في يونيو المقبل؟ وعن قيامها في 23 يوليو القادم أيضاً؟ كما أعلنت عن إلغاء الأحكام العرفية في 18 يونيه المقبل، وقد ألغيت الرقابة على الصحف – فما السبب إذاً في هذه البلبلة؟”.
و بدأ خلاف بين أعضاء المجلس حول ماهية الدولة خلال الفترة القادمة ، و هل ستكون جمهورية رئاسية أم برلمانية ، و كيفية تحقيق أهداف الثورة ، و ناقش المجلس أقتراحات تقدم بها كل من محمد نجيب ، جمال عبد الناصر ، و عبد اللطيف البغدادي حل الشكل العام للدولة خلال المرحلة القادمة و مستقبل مجلس قيادة الثورة ، كان الخلاف بين المقترحات كبير ، فجاء أهم ما فيها أن نجيب كان يريد عودة الحياة الحزبية كما كانت عليه ، بينما أشترط عبد اللطيف البغدادي التطهير أولا ، بينما جاء أقتراح ناصر أن تمضي الثورة لتحقيق أهدافها أولا قبل الحديث حول عودة الحياة البرلمانية مرة ثانية ، و لم يسفر هذا الأجتماع عن قرار نهائي ، ولكن يحدث تحول كبير يوم 27 مارس عندما نشرت جريدة أخبار اليوم نص حوار تليفوني جرى بين اللواء محمد نجيب و النحاس باشا ، و كان عن عودة الحياة البرلمانية في اقرب فرصة ، ليحدث تطورات سريعة في الموقف لم تكن في الحسبان ، حيث أضرب عمال النقل المشترك بالقاهرة أعتراضا ، و خرجت ايضا مظاهرات من طلبة الجامعات و العمال تهتف ضد عودة الأحزاب وضد قيام الانتخابات …
هنا أعتقد كان نقطة التحول فالموقف الشعبي جاء مؤيدا لمقتراحات ناصر بشكل كبير ، و ظهر ذلك في أجتماع مجلس قيادة الثورة التالي الذي شهد مظاهرات حاشدة أمام مقر مجلس الوزراء الذي أقيم به الاجتماع منددين بالأحزاب و تطالب ببقاء مجلس قيادة الثورة ، أحس نجيب أن موقفه أصبح في غاية الضعف ، لكن في نفس الوقت كان من الصعب على المجلس في ذلك التوقيت أن ينقلب عليه و ينحيه عن منصبه فتم التوصل إلى تحويل الموقف للتصويت على بقاء نجيب أو تنحيته و يذكر البغدادي في مذكراته أن جميع أعضاء المجلس بالأضافة إلى الوزارء المدنيين وافقوا على بقاء نجيب ماعداه و معه جمال سالم ، و تقدم صلاح سالم بأقتراح مكمل جاء فيه : -
1- أن يكون محمد نجيب رئيساً للجمهورية وقائداً للثورة – وتحدد اختصاصاته وأن تقتصر اتصالاته وزياراته على ما يحدد له والتي يرى لها أهمية.
2- أن ينسحب أعضاء مجلس قيادة الثورة من السلطة التنفيذية وتصبح مهمته الأساسية هو حماية الثورة وأهدافها – وأن تحدد اختصاصاته ومسئولياته في حدود الدستور المؤقت.
3- أن تؤلف وزارة مدنية لتقوم بتنفيذ السياسة التي ترسم لها بواسطة مجلس قيادة الثورة.
4- أن تشكل الهيئة الاستشارية لتقوم بمهمة دراسة المشروعات المختلفة بواسطة لجانها الفنية – ولمناقشة الوزراء وسؤالهم ويكون ذلك علناً – وعلى أن تكون هذه الهيئة هي العنصر الذي سنعتمد عليه في المستقبل كبرلمان سليم – والغرض من ذلك هو أن تستقر الأوضاع وتهدأ النفوس
حاز هذا الاقتراح على موافقة أغلبية الحاضرين ، و بدأ التحضير للإعلان عنها ، لكن التطورات في الاحداث لم تنتهي ، فعندما طلب جمال عبد الناصر من زكريا محي الدين المكلف في ذلك الوقت بوزارة الداخلية تقرير عن الحالة الامنية ذكر فيه أن كل من الشيوعيين و الوفديين و أنضم لهم الأخوان المسلمين ، ينظمون أحتجاجات في جامعة فؤاد الأول ( القاهرة ) تطالب بعودة الحياة النيابية ، بل أن الموقف وصل إلى المطالبة بأعلان الكفاح المسلح و اغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة … !
4 تعليقات على الموجة الثانية للثورة ( 4 )
سرد تاريخي أكثر من رائع يا سيد عمرو، ولكن الأمر التبس عليّ قليلًا بين بعض المنددين بالحياة النيابية أثناء اجتماع مجلس قيادة الثورة، وبين المطالبين بعودتها من شيوعيين وليبراليين وإخوان بعد ذلك.
أنت حطيت أيديك على نقطة مهمة يا أحمـد … نفس الخطأ اللي وقعنا فيه حاليا ، لكن هشرح ليك الموقف التاريخي ، الشيوعيين و الليبراليين و الأخوان كان عندهم خوف من حكم عسكري ، ده غير طموحهم في القفز على السلطة ، و بما إن الجيش في التوقيت ده كان بيعتمد على حاجتين أنه المفجر الأساسي للثورة من ناحية و القوة العسكرية على ارض الواقع من ناحية تانية و أي صراع غير سياسي مش هيسمح لأي تيار سياسي بالمشاركة في السلطة فكان لازم نقل الصراع إلى نقطة السياسة و هي عودة الحياة البرلمانية مرة تانية ، الوفد كان بيعتد على تاريخه القديم ،الأخوان على تنظيمهم و تعاطف جزء كبير من الشعب المصري معاهم خصوصا في المناطق الريفية ، الشيوعيين كانوا في الوقت ده قوة لا يستهان بها بسبب سيطرتهم على نقابات العمال و أنتشار الفكر الماركسي بين الشباب و عدد كبير من المثقفين في مصر ، محمد نجيب كان بيمارس السياسة بشكل رومانسي فوقع في المحظور ، الشعب ليه مطالب لو انجرف لانتخابات هتوه المطالب دي في صراعات بين الأحزاب و التيارت السياسية ، عبد الناصر فهم اللعبة كويس و انحاز للشعب خصوصا بعد ما طلعت مظاهرات بتطالب باستمرار الثورة ، و لعبها ببراجماتية رائعة
ده يا خدنا لموقف الثوار حاليا اللي بيفكروني بوقف محمد نجيب رومانسيين أكثر من اللازم ، الثورة تم قتلها بموضوع الانتخابات كان المفروض يترفض الموضوع ده من الاساس إلا لما يتم تحقيق كل مطالب الثورة الحقيقية حتى لو طالت الفترة الانتقالية لسنتين ، كان ممكن في الفترة دي تتقلب الأوضاع تماما ، و لما يحصل انتخابات بعد فترة سنتين يكون حصل فيها انجازات حقيقية على ارض الواقع كان ده هيفتح الباب للثوار الحقيقيين أنهم يكونوا شريك اساسي و قوي في أي انتخابات قادمة لأن هيكون ليهم انجازات على ارض الواقع مش بس اعتصامات و اضرابات ، غالبية الشعب المصري ما عندوش الخلفية السياسية الكافية اللي تخليه يعمل توازن سياسي ، ناس كثير كانت بتنتخب بطريقة اللي أعرفه أحسن من اللي ما أعرفوش ، و ناس طيبة كانت بتقول و أنا واقف في الطابور بتاع التصويت دول ناس بتوع ربنا مش هيسرقونا زي اللي فات يعني الموضوع مالوش علاقة بفكر سياسي أو توجه سياسي طيبة زيادة عن اللزوم من شعب هيدفع الثمن غالي قوي الفترة اللي جاية
أعتقد أن هذه المظاهرات كانت مدبره وفقاً لبعض الأقوال التاريخيه
رأيى أن هذا الصدام الحتمى ليس خافياً على المجلس العسكرى و لا على الإخوان و الإثنين ليس بالغباء الذى يتصوره البعض فإعتقادى أن الإخوان سيتفاوضوا مع المجلس العسكرى و لن يصطدموا به .. و تصريحات محمد مرسى تثبت ذلك حين قال أن الأغلبيه فى البرلمان القادم قد لا تشكل الحكومه و لكنه من حقها أنه يتم التشاور معها فى تشكيل الحكومه و وضع رأيها فى الإعتبار
أهلا جوزيف
بالنسبة لموضوع المظاهرات المؤيدة لموقف ناصر ، هاك روايتين الأولى و اللي كانت متداولة بدء من فترة السبعينات أن عبد الناصر كان وراءها ، و انه اتفق مع يوسف صديق على تحريك العمال ، و ذكرت تلك الأقاويل أن يوسف صديق و عبد الناصر أنفقوا 2 مليون جنيه ، بصراحة حكاية لا تصدق لا ناصر و لا يوسف صديق يملكوا هذا الكم من المال ، كذلك لم يكن لديهم من القوة في الوقت ده لسحب المبلغ مثلا من البنك الأهلي بما أنه كان بيعتبر البنك المركزي في تلك الفترة ، خاصة و أن المبلغ بمقاييس الفترة الزمنية يعتبر خارق ، و عبد اللطيف البغدادي و أحمد حمروش ، أنكروا تلك الواقعة الوحيد اللي أتكلم عنها و اخذها منه آخرين بعد ذلك كان خالد محي الدين ، حتى هو قال سمعت و لم يجزم بالموضوع ، كذلك هناك شىء آخر ما هي قوة يوسف صديق لتحريك عشرات الآلاف من العمال في فترة زمنية قصيرة ما بين يوم 25 و يوم 27 مارس لا تعطي الفرصة لأي شخص أن يحشد هذا الكم ده من أكثر من مصنع … علشان كده أصدق البغدادي و حمروش عن باقي الكتاب في النقطة دي
أما عن موضوع الصراع القادم أتفق معاك تماما أنه هيتأجل شوية لأن حاليا الموقف لسه شائك فأي صراع اللي هيخسر فيه مش هتقوم ليه قومة مرة تانية