شهد العالم في الأسبوع الماضي ثلاثة حوادث إرهابية متفرقة، اثنان منهما في مصر والثالث في شرق آسيا، الأول في أقصى الشمال الشرقي من مصر على الحدود مع غزة، والثاني في محافظة قنا في صعيد مصر، في نجع حمّادي تحديدًا، والثالث في ماليزيا، وهم مقتل مجند مصري من قوات حرس الحدود المصرية، ومقتل سبعة وإصابة 21 على بوابة كنيسة مريم العذراء في ليلة عيد الميلاد الشرقي، وحرق مسلمين لأكثر من عشر كنائس مسيحية، على التوالي – والفاعل دائمًا وأبدًا هو الإرهابي الإسلامي.

الإرهاب ليس له دين، عبارة تتردد على مسامعنا كل يوم في سلسلة إعلانات ترويجية عن العراق. هذا، نظريًا، ليس عليه غبار، ولكن من الطبيعي جدًا أن يصطدم الواقع بالنظريات في شتى المجالات – والإرهاب ليس بمعزل عن ذاك.

يكاد يكون الإرهاب محصورًا على الإسلاميين تقريبًا، وعلى مدار التاريخ الحديث، بدايةً بالإرهاب المادي المباشر من التنظيمات الإرهابية الجبلية، والميليشيات غير الشرعية المترامية هنا وهناك، والاغتيالات والحوادث الفردية، وليس نهايةً بالإرهاب المعنوي وغير المباشر من سلفيي السعودية، وشيوخ فضائيات القمر الاصطناعي نايل سات، وآئمة وشيوخ المساجد المتطرفين سواء في الشرق الأوسط أو المغتربين في أورپا الذين يتطلّعون إلى تسيير الحضارة الآورپية على النهج الإسلامي.

وإن كان النوع الأول هو الأكثرهم فتكًا، فإن النوع الثاني هو الذي ينفث السموم، ويشعل فتيل الأول، عن طريق عقول خاوية – والعقول الخاوية هي أكثر العقول القابلة للاشتعال.

والإرهاب الإسلامي في هذا السياق هو الإرهاب المصاحب للإسلام السياسي، فمن المفترض أن المسلم ليس إرهابيًا، ولكن الإسلامي هو إما إرهابي من النوع الأول أو الثاني. والإسلام السياسي هو تربة خصبة ومجال حيوي للإرهاب.

الحادث الأول هي مقتل مجند مصري من قوات حرس الحدود المصرية المرتكزة بمحاذاة الشريط الحدودي المصري-الحمساوي (الغزّاوي سابقًا.) والقاتل هو قنّاصة حمساوي إرهابي، وهذا القناص، الشاب بالتأكيد، لم يفعل إلا أنه أعاد إنتاج الإرهاب الحمساوي الذي يتردد كل يوم على ألسنة قادة حماس، وهي الحركة الإرهابية التي تتبنى إقامة إمارة إسلامية سنية المذهب شيعية التوجه في قطاع غزة.

وفي خضم الإدانات الحمساوية للجانب المصري، نسوا هؤلاء الإرهابيون، أو تناسوا، أنهم تقلدوا الحكم عنوةً بعد انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية الشرعية، بل نسوا أيضًا أنهم السبب الأول لتعطل جهود السلام المشروعة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وأنهم هم المسؤلون عن حرب غزة، مما أدى لقتل وتشرد وتيتُّم وترمّل مدنيي غزة قبل عام. المدنيون الذين لا يجدون بدًا من رفع العلم الأخضر خشية القتل أو الاعتقال أو الإرهاب باسم الإسلام.

الإرهاب الحمساوي الخام، والذي نفّثه قادة التنظيم الظلامي لشباب غزة ليعيدوا إنتاج هذا الإرهاب المعنوي والكبت والعزلة التي يعانوها بسبب حماس مرة أخرى إلى إرهاب مادي بشع طوال الأسبوعين الماضيين، عبر رشق القوات المصرية على الشريط الحدودي بين مصر والقطاع بالحجارة، في مشهد يذكرني بدعوات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، ولكن هذه الانتفاضة كانت ضد مصر هذه المرة. وانفجرت نوبة هذا الإرهاب في مقتل المجند المصري أحمد شعبان، والذي لا بيلغ إلا الحادية والعشرين من حياته القصيرة التي انتهت نهاية مأساوية برصاصتين غدر إرهابيتين إسلاميتين جاهلتين.

الأزمة بدأت منذ بداية رحلة قافلة شريان الحياة 3، والذي قادها المدعو غالاوي من لندنيستان (لندن سابقًا) مرورًا بكل آورپا منذ بداية ديسمپر الماضي، لجمع معونات إغاثية لغزة، حيث عبرت القافلة من آخر محطاتها بتركيا، إلى الأراضي الأردنية ثم جنوبًا إلى ميناء العقبة، تمهيدًا لمحاولة دخول مصر من خلال ميناء نويبع البحري، مع أن الطريق البديهي والأقرب لدخول مصر من آورپا هو ميناء العريش البحري، وهو نفس المنفذ الذي أقرّته الحكومة المصرية مسبقًا لتسهيل نقل المعونات الإغاثية إلى غزة. وقد راسلت الحكومة المصرية غالاوي، قائد القافلة المزعوم، بشأن طريق القافلة المخطط ثلاث مرات منذ بداية تحركها، ولم تجد الحكومة المصرية أي استجابة لأي منهم، بحسب حسام زكي المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية.

ولكن غالاوي، كعادته، وعادة الثوريين، محبّ للپروپاجندا والاستعراضات البهلوانية الإعلامية، الذي يعلم جيدًا أن مصر لن تصرّح بعبور السفينة التي تحمل المعونات الآورپية، والتي كان أغلبها تركي، إلا من خلال الطريق المخصص المعلن لسير القافلة. وقد سبق وسمحت مصر بالعبور لقافلتين سابقتين في مارس/آذار، ويوليو/تموز 2009، وهما قافلة شريان الحياة الأولى والثانية.

وكأن القافلة تنتظر أي هفوة حتى تتباكى، وهذا ما خطط له هذا الغالاوي كما يبدو، أمام كاميرات الإعلام العالمية النهمة، ليدّعي أن مصر مصرّة على إغلاق المعابر، ومانعةً لمنافذ المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني المسلم الشقيق، وعن عمالة مصر لإسرائيل وأمريكا، إلى كل آخر هذه المزايدات الدنيئة والاتهامات الرخيصة التي تنفثها مثل هذه المجموعات، وترددها ورائها كالببغاوات حماس وإيران والجزيرة، والقائمة تطول.

وفي خضم هذه الأحداث، لم أجد أبدًا من يدين، أو حتى يلوم، سوريا، ولو من باب المساواة في الاتهامات الباطلة، على إغلاقها لحدود الجولان بالضبّة والمفتاح لأكثر من أربعين عامًا. ولكن سوريا، كونها حليفًا رئيسيًا لحماس، هي فوق كل نقد لاشك.

قافلة شريات الحياة 3 هي عبارة عن إثنتا عشرة شاحنة إغاثة، تدّعي حسن النية، ولكن الأهداف وراء الزيارة سياسية بحتة، جنى من خلالها غالاوي الكثير، أهمها الضغط على مصر وإحراج النظام المصري، وليس أقلها دعم حماس له دعمًا لا غبار عليه ماديًا ومعنويًا لانتخابات مجلس العموم القادمة عن الدائرة الانتخابية بنثال جرين وبو، ذات التعداد المسلم الكبير، ولكني أشك أنه سوف ينجح مجددًا في انتخابات 2010 المزمع إقامتها قبل يونيو/حزيران 2010. والقافلة تنتمي للمجموعة الحقوقية فلتعيش فلطسين.

التساؤل الواضح هو لماذا يدين هذا “الغالازاوي” مصر؟ وهو العروبي، الذي تهمه القضية الفلسطينية لدرجة كبيرة هكذا، لماذا لم يتظاهر هذا المنافق ضد بلده پريطانيا صاحبة وعد بلفور صاحب الفضل الأول في قيام دولة إسرائيل في الأصل، خير من إقلاقه لأمن مصر بتظاهره ضدها مع المرتزقة الذين يتبعونه؟

وقد دخل هذا الغالازاوي إلى غزة، وكأنه فتح عكة، وهو يرفع العلم الحمساوي الأخضر، ويرتدي العقال الفلسطيني، وقد نصّب نفسه بطلًا شعبيًا للمقاومة، وقد نسي، أو تناسى، فضيحة كوبونات النفط، وامتداحه صدام حسين في بلاطه الديكتاتوري، ورفضه لحرب العراق لأسباب خاصة بالتمويل الذي كان يقدمه له نظام صدام، وليس للأسباب التي كان ينعق بها ليلًا نهارًا على القنوات الإخبارية الآورپية. بل نسي أيضًا دفاعه المستميت عن حركة حزب الله الإرهابية دائمًا وأبدًا، وطرده  من حزب العمال الپريطاني العريق في عام 2003 بسبب تصريحاته المقززة. إن غالازاوي هو نفسه الذي قال أن في كوپا ديمقراطية أكثر من المملكة المتحدة! والذي صرّح أيضًا قبلذاك صراحةً أن يدعم الاتحاد السوڤيتي، وهو في النهاية عميل إسلامي لأنظمة شمولية وحركات إرهابية، مثله مثل روبرت فيسك، والكثيرون مثلهما في الداخل والخارج، وهما من المؤكد يتقاضان ثمن نفاقهما بلاشك.

أما التكريم الذي كرّمه هنيّة لهذا الغالازاوي وقافلة شريان الحياة 3، فهو تكريم بسبب نجاحهم الباهر في الضغط الإيجابي على النظام المصري وإحراجه أمام العالم، وأنا هنا أتكلم بمعزل عن النعرات الوطنية الرخيصة، ولكن بعد تحليلي الخاص للوضع. وأنا أتفق والحكومة المصرية، بصفتها رافضة رفضًا رسميًا، مع المجتمع الدولي بأسره، إقامة حماس لإمارة إسلامية على حدود مصر الشرقية، لأن الخطر من هذه الإمارة المزعومة لن يمتد لمصر وإسرائيل وقتها فقط، ولكن للمنطقة كلها، والعالم بأسره. بالإضافة لأن إقامة أي نموذج إسلامي متطرف آخر في المنطقة بجانب إيران، سيكون مثل فكي كيان إرهابي سني-شيعي يهدد خطر العالم أجمع، وأنا هنا أتحدث عن تصدير الإرهابيين ودعم الإرهابيين الإسلاميين في كل مكان في العالم.

انتهى سيناريو القصة بطرد مصر لغالازاوي شر طردة بعد أدائه مهمة الحج إلى حماس بنجاح، إذ أنه عندما فكر، مجرد التفكير، الهبوط بمصر عائدًا لبلاده، أُلقي القبض عليه وتم ترحيله مثل المجرمين.

أما الحادث الثاني، فقد راح ضحيته ستة مسيحيين مصريين شباب تتراوح أعمارهم من 18 إلى 28 عامًا، بالإضافة لمجند مسلم كان في نوبة حراسة كنيسة. وأصيب 21 آخرين، خمسة منهم في حالة خطرة.

القصة تبدأ بمشهد عيد مبهج، حيث تعجّ قاعة كنيسة مريم العذراء بنجع حمادي بمحافظة قنا، بمئات الأقباط في أكمل زينة لهم وأحسن هيئة، لما لا وهم ينتظرون ليلة عيد الميلاد من السنة للأخرى؟ فهي أكبر الأعياد المسيحية على الإطلاق، حيث تحتفل بها الطوائف الأورثوذوكسية في السابع من يناير/كانون الثاني من كل عام.

قد يبدو المشهد سعيدًا حتى الآن، ولكن تبدأ التراچيديا وقت خروج هؤلاء الضحايا الأبرياء من كنيستهم بعد منتصف ليل السادس من يناير، استعدادًا للإفطار بعد أكثر من شهر ونصف من الصيام المتواصل، واستعدادًا أيضًا ليوم عيد حافل في الغد القريب من زيارات الأهل والأقارب والطعام الشهي والتنزه وخلافه من مظاهر العيد السعيدة، بعد أدائهم لصلوات قداس عيد الميلاد على أنغام الترانيم والابتهالات والدعاوة بعام جديد أكثر أمانًا وسلامًا – ولكن إفطار هذا العام كان وابلًا غزيرًا من رصاص غادر حقير من أربعة رشاشات آلية يحملها ثلاثة، هم بلا أدنى شك إرهابيون إسلاميون يسري في عروقهم إرهابًا آخرًا، إرهاب صنع في بلاد السلف، وصدّره واستورده شيوخ وآئمة متطرفون وقنوات فضائية من طراز “اقتلوهم أينما ثقفتموهم،” في صفقة ربحية خسيسة ذات صبغة دينية مقدسة. أما الجناة فهم من جديد أعادوا إنتاج هذا الإرهاب المسموع والمعنوي والغير مباشر، لإرهاب مرئي ومادي ومباشر.

الحادث الثالث في ماليزيا، والأخير في ترتيب الأحداث الإرهابية الوضيعة، حيث كلّل نهاية الأسبوع الماضي الدموي، من نجع حمادي شرقًا لماليزيا غربًا، مرورًا بغزة.

ما حدث في ماليزيا ليس حدثًا تنظيميًا، ولا هو من إسلاميين ولا مجموعة إرهابية، بل من مسلمين ماليزيين ليس عندهم أدنى سمات الحضارة وتقبل الآخر، وهنا السؤال حول أن نصوص رفض الآخر في الإسلام قد تتحول لإرهاب مادي على أيدي المسلمين في أي وقت. وهذا تمامًا ما دفعهم لتفجير حوالي إحدى عشرة كنيسة متفرقة في البلاد بقنابل حارقة، لأنهم لا يريدون أن يشاركهم أحد في “الله” وحتى لو كان “الله” مغايرًا.

كل ما حدث أن المسيحيين، الذين يمثلون عشرة بالمائة من تعداد ماليزيا ذات الأغلبية المسلمة، أرادوا، وهو حقهم المشروع، في استخدام لفظة “الله،” في نصوصهم الدينية على الملأ، وفي كتاباتهم وأفراحهم وأحزانهم. ولكن ظهر المسلمون، وكالعادة، بعنصرية بغيضة تضاف لرصيدهم الملوث في عدم تقبل الآخر سواء في بلادهم أو في الهجر. فهم لا يريدون غزو الغرب، الذين يمثلون فيه الأقلية العددية ولكن الصوت الجهيري الأعلى، بمعتقداتهم عن طريق العنف فقط، ولكنهم يريدون ألا يشاركهم الألفاظ أحد في البلاد الذين يمثلون فيها الأغلبية.

إن المسلمين يسيطر عليهم دائمًا نظرية المؤامرة، ويهيئ لهم المتربحون من وراء الدين، المعمّمون المتغطرسون، أن ثمّة مؤامرة عالمية “خبيثة” محاكة دائمًا، وجاهزة للاستخدام الفوريّ، ضد الإسلام، مؤامرة تريد الانقضاض عليه، وتصريف أبنائه عنه، مع أنهم ثاني أكبر دين في العالم من حيث العدد، وهي ما يستخدمها الإرهابيون المعنويون، من شيوخ وآئمة وفضائيات وخلافه، في أي وقت، لإثارة الإرهابيين الماديين. وهكذا فالمسلمون دائمًا في صراع مجهول ضد الآخر، وفق مفاهيم الفتنة والمؤامرة وخلافه، وحتى إن هذا الآخر، الذي أوقعه حظه العثر في طريق مسلم متطرف، استخدام لفظة لغوية. المدهش أنه لا يوجد قانون يمنع احتكار الألفاظ!!!

أما الإسلاميون الذين صوّروا للعالم أن هذا النمر الماليزي الأصفر يمثل قمة التحضر والأخلاق الحميدة، عليهم أن يراجعوا فتاواهم وادعاءاتهم الآن. هؤلاء الذين ادعوا أن الأنموذج الماليزي هو الأنموذج الإسلامي المعتدل الذي يخلط الحياة بالدين، وفي نفس الوقت ينجح ويتطور. ها هي بلاد الملايو تعاني من الطائفية المزمنة، وتبدو واضحة للعيان أن مسلميها، ككثير جحول العالم، يعانون من نفس “مرض إرهاب الآخر المزمن،” رغم كل هذا التقدم والرخاء الاقتصادي. إن الإسلام المتطرف يعاني من عقدة إقصاء في كل نواحي الحياة، ولاسيما اللغوية، حتى يصبح هو النموذج الثيوقراطي الآوتوقراطي الأوحد، ويصير شيوخه وآئمته هم الرابحين ماديًا في الدنيا والآخرة.

عند تواجد أي نظام إسلام سياسي، فهو يتسلق أشجار الحرية والديمقراطية “الغربيين،” لينقلب أول ما ينقلب على الأغصان الذي تسلق عليها في البداية، ليقتلعها عن جذورها، ويدمر الأخضر واليابس، ويقصي الآخر، وينفرد لنفسه بالحكم، ولا يعترف بالآخر، مهما حدث. والأدلة كثيرة من الثورة الإسلامية لطالبان لحماس لشمال السودان، وحتى في ماليزيا نفسها، والتي يحاول فيها حزب پاس، الإسلامي المتطرف والمنشق عن حزب أومنو، الذي ينتمي له رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير بن محمد، الوصول للسطلة، وتحويل ماليزيا لدولة إسلامية.

قد لا توجد صلة تنظيمية ظاهرية بين الثلاث حوادث سابقة، ولكن الرابط الإسلامي المتطرف يتجلى ليجمع شتات الإرهاب ويضمها جميعًا – إنه الفكر الإسلامي المسيطر على كل ما عاداه، أو عداه، ويتجلّى على خلفيته هذه الحقيقة، أن الإرهاب في العالم أجمع مرتبط بصلة دم وطيدة.

من ماليزيا للقاعدة للمجاهدين لطالبان لپاكستان لأفغانستان لإيران لقطر لسوريا لسلفيي السعودية لآئمة آورپا لحزب الله لفيسك لغالاواي لغزة لحماس لنجع حمّادي… يا قلبي إحزن!