إبان الذكرى ال 29 لإغتيال بشير الجميل حضرت ندوة بالقاهرة حول الحرب الأهلية اللبنانية و ذكرياتها في ظل الأحداث المتلاحقة بمصر و أبرزها أحداث ماسبيرو التي إمتزجت بها الطائفية بالبارود ، إلتقيت هناك بالأستاذ وسام متى الكاتب اللبناني بالسفير اللبنانية و تحدثنا طويلاً قبل الندوة عن تاريخ الحرب الأهلية و علاماتها التي كانت إحدى أهمها علامة فارقة تسمى بشير الجميل و بالطبع سألته عن رأيه فيمن إغتال بشير و كان مقتنعاً أن سوريا وراء الأمر لأسباب ظاهرة واضحة تجعل الكثيرين على نفس القناعة ، اليوم وجدت نفسي أعود ثانيةً إلى سؤال ملح غريب يبدوا مضطرباً:
هل قتلت إسرائيل بشير؟
في شهادته على العصر ذكر الرئيس أمين الجميل شقيق الرئيس الراحل بشير أن السوريين غالباً من قتل بشير و كان المحاور أحمد منصور يدفعه مباشرة لنقطة هل هناك إحتمال أن تكون إسرائيل مسئولة؟ .. لم يجب أمين الجميل مباشرةً لكنه بضغوط منصور نفى الأمر.
دعونا بدايةً نرصد كيف تم قتل بشير.
هناك قاعدة وضعها الرئيس إلياس سركيس يقول فيها أن رياح الخومينية حين هبت على لبنان جعلت المسلمين أكثر أصولية و المسيحيين أكثر صليبية ، تلك الجملة توصف بدقة الحالة التي عاش وسطها بشير الجميل سليل عائلة الجميل المارونية العريقة و إبن الشيخ بيير الجميل رمز المارونية السياسية في عهد الاستقلال ، بشير إرتبط بالسياسة المارونية و لم يعرف غيرها و إختلط بمتشددي المسيحيين بلبنان و معهم بدأ الحرب الاهلية و إستمر و تقاتل معهم بل و صفى بعضهم في معارك توحيد البندقية حتى بات زعيماً سياسياً و عسكرياً لمسيحيي لبنان و بهذا قدم نفسه لإستحقاق الرئاسة و إنتزعه وسط صراخ مسلمي لبنان و يسارها ذو القيادات المسيحية التاريخية و رفض حافظ الاسد ليتم قتله في يوم 14 سبتمبر 1982 عبر متفجرات زرعها شاب مسيحي مرتبط بالحزب القومي السوري يسمى حبيب الشرتوني و تشير كل الاتهامات لسوريا التي رفضت الاتهامات.
كانت وجهات النظر المتعددة تشير إلى أطراف فلسطينية و إسرائيلية و كان الطرف المؤيد لفكرة التورط الاسرائيلي يشير للآتي:
-1- تردي العلاقات النصف سرية بين بشير و إسرائيل قبيل وفاته.
-2- تحول بشير لورقة محترقة داخل لبنان لا تفيد إسرائيل لإنكشاف علاقته بهم.
-3- تحول بشير لعثرة أمام أي تفاهم سوري – إسرائيلي .
..
دعونا نفرد تلك النقاط و نرد عليها كالتالي:
* من المعروف أن لقاء نهاريا النصف سري بين مناحم بيجن و بشير في إسرائيل قد أفضى لخلافات لكن يتم تجاهل نقاط عدة من أنصار نظرية تورط إسرائيل:
أ- حسب كتاب (قصة الموارنة في الحرب) لجوزيف أبي خليل الذي حضر لقاء نهاريا فالخلاف كان على أساس رغبة بيجن السريعة في معاهدة سلام تسبق دخول بشير للقصر الرئاسي رغبةً منه في تكبيل بشير بشئ يجعله محدد الاتجاة بعد الرئاسة و لا يعطيه مجال للمناورة.
ب- حينما إنفرد بيجن و بشير لساعتين لم يعرف أحد ما در لكن حسب كتال (سلام الأوهام) للأستاذ محمد حسنين هيكل فقد أسر بشير قبيل وفاته لأحد معاونيه بفحوى اللقاء الذي وصفه بأسوأ إجتماع في حياته و كان المضون إهنات كالإتهام بالجبن وجهها بيجن الثائر على صمت القوات اللبنانية طوال الوقت أثناء حصار بيروت و تكاسل بشير عن المعاهدة ثم إتهامه له بالجبن و شجار إنتهى قبل نهاية اللقاء لكن اللقاء لم يقد لخلاف في المواقف بل خلاف حول إطار العمل.
ج- كان حبيب الشرتوني ينقل المتفجرات يومياً قبل الخلاف بين بيجن و بشير فلا يمكن الربط بين التفجير و الخلاف بينهما مع تكرار نقطة أن الخلاف لم يكن قاتل.
د- توجه شارون لبيروت بعد لقاء نهاريا و عقد إتفاق جديد مع بشير و أزال الخلاف القائم مع بيجن حول إطار العلاقات المستقبلية و بالتالي فالخلاف تلاشى.
* لا يمكن إعتبار كشف علاقة بشير بإسرائيل أمر يبرر التخلص من بشير خصوصاً مع كون تلك العلاقات شائعة بين الموارنة على التحو التالي:
-1- كان كميل شمعون في بداية الخمسينيات كسفير للبنان بلندن و قبل توليه الرئاسة نشط في إطار الاتصالات مع إسرائيل و كان الأمر متداول و لم يؤثر في شئ.
-2- كان معلوم ضمناً أن منذ العام 1975 و إسرائيل تمول الموارنة بالسلاح مقابل المال جزئياً ثم تجمد الأمر مع دخول السوريين متحالفين مع الموارنة عام 1976 و ضد الفلسطينيين و حين إنقلب السوريون على الموارنة (نقصد هنا في المقال بكلمة الموارنة الاشارة الى الكتائب و القوات فليس كل الموارنة كتائبيين) عادوا للتعامل مع إسرائيل فلم يكن الأمر جديداً أو غير مألوف.
-3- مهما كانت خطورة الأمر و فضائحيته فالحديث هنا عن رئيس للجمهورية مرتبط بإسرائيل فهو كنز ثمين يحظى بحب مسيحيي لبنان و قوة عسكرية على الارض و عائلة قوية فلا يمكن مجرد التفكير في إيذاء الرجل الذي وصفه بيريز بالديك الذهبي.
* لم يكن التفاهم السوري-الاسرئيلي مرتبط يوماً بإزالة شخص من الوجود فسوريا التي إستأذنت إسرائيل في الدخول للبنان عام 1976 عبر الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعلم بالتعامل بين الطرفين ثم أكملت التفاهمات عبر 1977-1982 بوجود بشير بدون مشكلات فهي لها رجاله و جيشها و السياسة تتقبل كل شئ ، كذلك من غير المعقول أن نذكر مثلاً أن إسرائيل لم تر تعطيل تفاهمات لا ترقى لمستوى السلام مع السوريين عبر قتل رجلها في لبنان الذي بات رئيساً.
..
إلى هن أعود لعنوان البحث و أجيب:
لم تقتل إسرائيل بشير و سواء كانت الشواهد و الادلة تشير لتورط سوريا عبر اعتراف حبيب الشرتوني بتكليف نبيل العلم له ثم إختفاء الاخير و ضغوط سوريا على امين الجميل لعدم محاكمة حبيب الذي بقى في السجن الخاص ل 8 سنوات ثم اختفى مع دخول الجيش السوري للقصر الحاكم لطرد ميشيل عون من السلطة أو كانت الشواهد تذهب لحد آخر فإن حسابات المنطق تنفي كليةً أن يكون هناك تورط إسرائيلي في الأمر فلا منطق و لا مصلحة.
3 تعليقات على هل قتلت إسرائيل بشير؟
تدوينة رائعة وسرد أكثر من رائع لتاريخ شبه مخفي!
شكراً يا أحمد..
المؤسف أنه شبه مخفي مع كونه جزء من تاريخ الحرب الأهلية الشهيرة التي داستها أقدام 7 دول عربية و أجنبية..
الجميع يعلم من قتل اسرائيل ومن وراء هذا الجدث الذي غير لبنان والشرق الاوسط وغير المنطقة باكملها
فاجهزة الاستخبرات الفلسطينية وعلى راسهم ابو اياد صلاح خلف من جهزومزل هذه العملية وتم اختيار اشخاص
لتثبت علاقتهم بالاجهزة السورية اي عملاء مزودجين ك نبيل العلم وسامي الحجة وحبيب الشرتوني وغيرهم …
والتاريخ وزوال النظام السوري سيمهدلمعرفة الحقيقة بكاملها فمحيها وزوالها كان بامر وطلب سوري لتثبيت الرعب
في لبنان وتخويف السياسين