منذ أن شكلت لجنة التعديلات الدستورية برئاسة المستشار طارق البشري و الثورة المصرية تشعر بحالة من التيه ، كان المقصود بتلك التعديلات أن يسرع بسحب البساط من تحت اقدام الثوار الحقيقيين لتسقط في أيدي من لا يستحق ، ثم أتى المجلس العسكري ليزيد الطين بلاه ، فيخرق التعديلات بإعلان دستوري آخر يجُبْ الاستفتاء على التعديلات المعيبة ، و يضعنا في تيه أكبر مما كنا فيه ، و في وسط كل ذلك تاتي جمعة قندهار ، و بالأمس القريب جاءت خطبة الشيخ القرضاوي بالدوحة تعبر عن المكنون قائلاً : ” اشهدوا لمن يعترف بالخير و الصدق و الإسلام و لا تشهدوا لعلماني و لا للاديني أو لمن لا يقبل بالله رباً ، و بالإسلام ديناً ، و بمحمد نبياً ” ، خطاب عنصري يعود بنا إلى ما قبل العصور الوسطى كأن كل تلك السنين التي مرت على الانسانية بكل الخبرات التي أكتسبتها من تجارب عديدة يطمسها هذا الشيخ بجملة واحدة.
بالرغم من عدم مشاركتي يوم الجمعة الماضية و أكتفيت بالمتابعة من خلال التويتر و القنوات الفضائية صامتا لا أتحدث مع أحد ، لا أحاول التعليق و لكن داخلي يتمزق مما يحدث ، فالخلاف حول مدنية الدولة متأرجح مرة حول مفهوم المدنية هل تكون دولة ديمقراطية حقيقية يحكمها قوى الشعب أم ستكون دولة دينية فاشية يحكمها مشايخ البترودولار ، رفضوا لفظ مدنية في وثيقة علي السلمي ، و نحن رفضنا وصاية المجلس العسكري على الدولة المسافة بين الرفضين كبيرة كل من التيارين يحاول جذب الحبال إلى ناحيته حتى باتت تلك الحبال أن تبلى و تتقطع أوصالها ، أتذكر هنا كيف تباينت ردة فعل التيارات المتأسملة على زيارة أردوخان إلى مصر ، ففي البداية استقبلوه بلافتات مرحبة ، الأذرع مفتوحة له تعانقه بحب و تودد ، ولكن فور أن تكلم عن علمانية الدولة أسودت وجوه اللذين استقبلوه أسقبال الفاتحين ، و سقطت من بين ايديهم اللافاتات التي عبرت عن رغبتهم في عودة دولة الخلافة ، و تحولت الأقلام من أقلام مرحبة إلى ناقده ، تيه آخر يسقط فيه هؤلاء و لم يعد أمامهم سوى الاعتماد على أحلامهم.
أتذكر هنا حضوري مؤتمر عام 2006 كنت وقتها في أجازة بالقاهرة و استطعت الحصول على دعوة لحضور مؤتمر حول مسار الديمقراطية في مصر الذي نظمه مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، تقدم وقتها دكتور عصام العريان كممثل للتيار الاسلامي بورقة عمل عن رؤية التيار الاسلامي للديمقراطية في مصر – كان وقتها على ما أتذكر حزب الوسط تقدم للجنة الاحزاب بأوراقه كحزب ممثل لتيار الاخوان المسلمين قبل أنفصال قيادته عن الجماعة – ذكر عصام العريان في هذا التقرير المبادىء الاساسية للرؤية الأسلامية للديمقراطية و التي لخصها في خمس نقاط :
- الشعب هو مصدر جميع السلطات
- احترام حق التداول السلمي للسلطة
- المواطنة أساس العلاقة بين افراد الشعب
- تأكيد حرية الاعتقاد الخاصة و أحترام إقامة الشعائر الدينية
- إقرار التعددية الفكرية و السياسية و الحق في تشكيل الأحزاب السياسية ، و منع تدخل الجهة الإدارية في نشاطها و منح السلطات القضائية وحدها حق تقرير مخالفة الأحزاب للنظام العام و مقومات المجتمع أو اللجوء للعنف
و في المقابل تقدم الدكتور سعد الفقيه بورقة تمثل رؤية التيارات السلفية المختلفة للديمقراطية و لماذا يرفضون المشاركة في العملية الانتخابية الي اليوم يتاجرون بها في كل وسائل الإعلام مهاجمين للثوار الحقيقين في التحرير و التي جاءت في أثنى عشر نقطة هي كالتالي :
1- أن التشريع حقمن حقوق الله عز و جل
2- القوانين الوضعية مخالفة للشريعة الاسلامية و كل ما يخالفها فهو باطل
3- الحكم بغير ما أنزل الله سبب يوجب غضبه
4- النظام قسمان إداري و شرعي ، و قبلوا الإداري و رفضوا الشرعي
5- فارق اساسي و كبير بين الحكم الإسلامي و الحكم العلماني الديمقراطي !
6- الشورى في الإسلام تختلف عن الشورى في الديمقراطية
7- لا يجوز شرعا عرض الشريعة الاسلامية على الافراد ليقولوا نطبق أم لا !
8- المجالس التشريعية التي تسن القوانين مخاللفة للشرع حتى لو أقر بها الأغلبية فهو كفر
9- الأحزاب التي تقوم على المبادىء العلمانية و المبادىء الوضعية من العصبية الجاهلية و الولاء للكافرين مما يجب رده و هجره و محاربته و التبرؤ منه.
10- فرقوا بين النوع و المعين و الحكم و الفتوى ، فقد يكون الفعل كفرا و القول كفرا و فاعله قائله ليس بكافر.
11- العبودية لله وحده
12- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة تتحقق بوسائل كثيرة و قد تسقط بالعذر أو العجز و عدم الاستطاعة !
و أشار الدكتور سعد الفقيه أن الحركة السلفية قسمت المشاركين إلى ثلاثة أقسام : -
- يشارك راضيا و مدعما من الأنظمة العلمانية فهذا ممنوع
- يشارك رغبة في السلطة و العول في الأرض ، فهذا أخف من الأول و ممنوع ايضا
- يشارك من أجل تغيير المنكر و إصلاح البلاد و العباد والتبرؤ من العقائد الفكرية ، و هذا محل خلاف بين أهل العلم ، و سبب الخلاف هو الموازنة بين المصالح و المفاسد
القارىء للوهلة الأولى لكل من الرأيين سيجد الفارق كبيرا بين الأخوان و السلفيين ، و لكن المتابع على ارض الواقع يرى تطابق في فرض فكر و رؤية فردية للدين تعبر فقط عن فئة أو طائفة فكرية داخل المجتمع ، فالأخوان بالرغم من أعترافهم بحرية الاعتقاد ، نجد على أرض الواقع يدعوا أحد أهم اقطابهم الروحية و هو الشيخ يوسف القرضاوي يدعوا الناس ألا تنتخب العلماني في تضاد واضح لا لبس فيه ، و اليوم خرج السلفيين عن ثوابتهم التي كانوا يقرونها من قبل و لكن هل هو طمعا في السلطة أم هو من أجل تغيير المنكر و إصلاح البلاد و العباد ، ففي الوقت الذي كان هناك الشباب يقف أمام جحافل قوات الشرطة ببنادقهم و عرباتهم المصفحة ، كان أنصار صلاح ابو أسماعيل المرشح السلفي للرئاسة يحاولون دخول ميدان التحرير بشعارات أنتخابية و يهتفون “بايعناه … بايعناه” ، مما أستوجب طرهم من الميدان ، فالموجة الثانية من الثورة كفرت بكل القوى السياسية دينية منها أو مدنية ، فالكل يجري وراء صناديق الانتخاب بدون ان يوضح لنا ماذا سوف يقدم لذلك الشعب المكلوم على شهدائه ، نعم كفرنا بكم و بأفعالكم فالانتخابات لن تفرز إلا عن اصحاب مصالح فقط يتاجرون بمعناة الشعب ، قبل كل شىء أتفقوا على مبدأ واحد و رؤية واضحة للفترة القادمة لتعود الثقة مرة أخرى قبل أن ينفرط العقد و يصبح من المستحيل عقده مرة ثانية !
2 تعليقات على الموجة الثانية للثورة
أتفق معك يا عمرو، نفاق القيادات الظلامية والظلاميين لا ينتهي، وما رأيناه في التحرير من هزل حيث شعارات “بايعناك” وفرض خطبة المرشح السلفي غصبًا وقهرًا على المعتصمين الذين جاءوا لأهداف أخرى أساسًا. ولكن هذا الهزل بعد ذلك، وأعتق أن المعتصمين وعوا الدرس وأدركوا كم نفاق الظلاميين، وفي نوفمبر أخذ الظلاميين صفعة كبيرة خسروا على إثرها كثير من الأصوات في الشارع.
حتى وجودهم في الميدان في الوقت ده علشان ما يبقوش خارج الصورة مش أكثر وجود بارد من غير فعل حقيقي بس علشان يقولوا أنهم موجودين ، شوف حوار بين أخواني و سلفي على الفيس بوك انا أخدت لقطة ليه و نشرتهعلى التويتر علشان الكل يشوف كذبهم و خداعهم
http://twitpic.com/7ibea8