كثيراً ما كنت أنظر الى العلمانية على انها فكر الاعتدال وتقبل الآخر.

بعد احتلال العراق عام 2003 هيمنت الاحزاب الدينية المتطرفة على السلطة, وبرز جيل جديد متطرف دينياً استخدم العنف زاعماً مقاومة المحتل, وازداد سعير التطرف الديني بعد هذا مع بداية الحرب الطائفية التي ساهم فيها ساسة عراقيين ودول خارجية لديها مصالح.

بالمقابل توجه الرأي العام نحو العلمانية ورأوا فيها سفينة النجاة التي ستقل جميع العراقيين بدون استثناء الى بر الأمان فبرز جيل جديد من اللادينيين ساهم في إنمائه انفتاح العراق على العالم ودخول اجهزة الستلايت والموبايل التي كانت ممنوعة قبل 2003 والأهم من ذلك انتشار استخدام الانترنت بين العراقيين, إضافة الى العولمة التي فرضها الغرب على الشرق!

لا أدري إن كانت ردة فعل؟ حتى العلمانية في العراق متطرفة!

توجه الشباب الى العلمانية بقوة هروباً من التطرف الديني فإذا بهم يسقطون في فخ التطرف اللاديني.

كثيراً ما كنت أرى ان الدينيين يسيئون للعلمانيين ويتهجمون عليهم ويكفرونهم فإذا بالعلمانيين الذين يدعون تقبل الآخر واحترام الأديان والمقدسات يسلكون طريقاً متطرفاً أيضاً بعدم إعترافهم بالآخرين وتزمتهم لآرائهم وشتم الأديان والمقدسات جهاراً.

الأمثلة التي اتكلم عنها من العراق فأنا أدير مدونة “مدونون عراقيون” التي تضم مدونات عراقية مختلفة الآراء والتوجهات بعد ان اخذت على نفسي عهداً بضم جميع المدونات دون استثناء ولكني وجدت نفسي مضطراً لحذف مدونات دينية متطرفة كذلك لم أنشر مدونات علمانية ولادينية وحتى إلحادية, نعم إلحادية – لست من اطلق عليها هذا الإسم ولكنها تحمله صريحاً في عنوانها العريض –  أسائت علناً لمقدسات الآخرين. بعضها فاجأني محتواها العلمي الجميل ولم أجد فيها ما يسيء للدين فلماذا اختاروا لها اسماً مسيئاً للدين؟

الأمر لا يتوقف على أدوات التواصل الاجتماعي والانترنت

بل يتعداه كثيراً الى واقع الحياة اليومية فأنا اضطر لتوطين لساني على قول “صباح الخير أو هلو” أو كتابة “تحية طيبة” اثناء كتابة الايميلات بدلاً عن قول “السلام عليكم” الذي نشأت عليه والمتعارف عليه في المجتمع العراقي. لماذا لأن الاخرين لن يردوا السلام أو سيعتبروني متطرفاً دينياً ! فيا لَّتطرف العلمانية.

مع ان أكثر هذا الجيل اللاديني يحترم الديانات البوذية, السيخية, الهندوسية وغيرها ولا يمسها بسوء لكنه يجد نفسه مضطراً لشتم مقدسات الأديان السماوية ليثبت للآخرين انه علماني! فيا لَّعدالة العلمانية.

الملابس: كذلك بإمكانك ان تلبس أي شيء مكسيكي أو ياباني أو غير تقليدي فسيصفق لك الجميع معتبرين هذا حضارة وثقافة ولكني اتحداك ان تلبس زيك العربي التقليدي! فيا لَّجيل التغيير.

دعك من هذا فالعلمانية نشأت بعد الدين كنقيض له وبنت نفسها على هدمه وبهذا يُعذر الشاتمون.

* دليل على تطرفهم اني لم استخدم اي نص ديني في هذه المقالة لأنهم لن يقرأونها معتبرينها مقالة دينية متطرفة.