” سأبقى في ليبيا سأقاوم الى آخر نفس …. لو كان لدي منصب حكومي لرميت أستقالتي في وجوهكم”، بهذه الكلمات خاطب الزعيم الليـبي السابق ” معمر القذافي” الذين عاش 69 عاماً (7 يونيو 1942 – 20 اكتوبر 2011) شعبهِ عندما اشتدت الأنتفاضة الشعبية في بلادهِ، ومطالبتهِ بالتنحي عن السلطة والرحيل.

عندما بدأت الأنتفاضة الشعبية في الجماهيرية الخضراء (سابقاً) بـ 17 فبراير هذا العام، ورفعت الشعار إسقاط النظام و الحرية والديمقراطية في بلد تصل نسبة سكانه الى مالايقل عن ستة ملايين ونصف مليون شخص موزعين  على طول المدن الساحلية.

ليبيا البلد الأغنى بين نظيراتها العربية الموجودة في القارة كـ(مصر، السودان، تونس، الجزائر، والمغرب و الجزائر و الجمهورية الموريتانية) الأفريقية وحتى من القارة نفسها، حيث تصل دخل الفرد الواحد فيها الى مايقارب ”  14,328 ” دولاراً حسب تقديرات سنة 2009 للأنتاج المحلي.

عندما بدأت شرارة الثورة في الجمهورية التونسية في أواخر السنة الماضية، كانت أهم اسبابها الجوع والفقر والبطالة العالية في البلد الصغير، وأستطاعت بجهود مواقع التواصل الأجتماعي كـ(الفيسبوك والتويتر) الأنتشار أكثر مما كان متوقعاً و تحقق الحلم التونسي بأطاحة برئيسهم زين العابدين بن علي والهروب الى المملكة السعودية.

المظاهرات والمطالبات في الجمهورية الصغيرة لم تكن في بداياتهِ ثورية أو نقول بأنها كانت لغرض إسقاط النظام بل كانت أقتصادية، أجتماعية وظيفية أكثر مما كانت تحمل قضايا سياسية في باطنها، ولكن بذكاء السياسيين و الأحزاب التي صعدت الموجة وغيرتها الى انقلاب أبيض وثورة بيضاء من أجل مستقبل أفضل.

والحالة المصرية كانت مشابهة لتونس مع بعض الأختلاف في انطلاقتها نعلم كان “سيدي بوعزيزي” ….. هو من اشعل الثورة بجسمهِ الهزيل، وانطلاق الثورة الذي اطاح بإبن علي والهروب مستعجلاً خوفاً على حياتهِ ولاننسى المؤامرة التي حاكت على عجل في قصره الرئاسي.

المظاهرات في المصر اخذت الألهام من جيرانها التونسيين ( وأهل مصر ادرى بحالهم كما التونسيين، لأننا رأينا الأحداث والحصول على المعلومات عبر الشبكة العنكبوتية و الأعلام)، وهي ايضا بدأت أقتصادية وأجتماعية في البداية و استطاعت ان تتنزع كثير من القرارات الهامة من رئيسهم السابق ” محمد حسني مبارك”.

وبعد نجاح ثورتهم البيضاء مع بعض العنف الذي حصل هنا وهناك، اجبروا الرئيس على الأستقالة وتسليم مقاليد الحكم للمجلس العسكري المصري.

موضوعي هنا ليس عن مصر ولا عن تونس ولاعن غيرها بل عن ليبيا، البلد الذي انتفض من اجل شيء ليس الجوع أو الفقر بل انتفض من اجل قضية سياسية، التي كانت محكترة بيد الزعيم منذ 42 عاماً بلامنافسة يذكر حتى.

هناك اوجه التشابه بين الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين والزعيم الليـبي السابق العقيد معمر القذافي، إن كان هذا التشابه من ناحية طريقة الحكم و الجبروت والدكتاتورية و القتل و إحكتار السلطة السياسية وتعيين الشخصيات المقربة منهُ في المناصب الحساسة في الدولة.

لكن يجب الذكر بالأعمال الجيدة التي قام بها من أجل رفع المستوى المعيشي للبلد، وهنا اخالف الرأي مع الكثيرين في موضوع العقيد الليـبي.

في نفس الوقت لاأبرر الجرائم التي حدث في زمن العقيد، وهذا ليس مبرر ان تقوم قوات المجلس بقتل وتشريد و ذبح مئات من المؤيدين للقذافي في ليبيا بل بإيجاد حل وسطي عبر ” عفو عام “، أو تصفية المؤسسات الدولة من المجرمين و المتآمرين ضد الشعب.

كما حصل في تسعينات من القرن المنصرم في إقليم كوردستان عندمان قررت الجبهة الوطنية حينها، بنبذ العنف والأخذ بثأر العفو عن كل من عمل مع النظام البعث السابق “1968 – 2003″، واشترط على كل من يشمله العفو الأبتعاد عن السياسية لمدة لاتقل عن عشرة سنوات. وهذا لم تفعله الحكومة العراقية الحالية و نرى كيف وصل المقام بهِ.

قبل أيام عدة ( بعد مقتل االقذافي ) قرأت تقرير عن ليبيا، وأحاول ان اكون اميناً نشرها كما وردني ” تبلغ نسمة ليبيا حوالي خمسة ملايين شخص” وخلال فترة حكمه قام بمجموعة انجازات وهي:

  1. بنى معمر القذافي حوالى ثلاثة ملايين فيلا(بيوت سكنية) للمواطنين.
  2. لم يكن للبلد اي جيش بل كان كل الشعب جيشاً ووزع النظام سلاح على كل المواطنين ولهذا نرى السلاح بيد كل افراد المجتمع (صحيح هذه نقطة سلبية ولكنني اتطرق الى ان البلد لم يكن لديه جيش).
  3. البلد الوحيد الذي لم يكن مديوناً أو مطلوباً للمجتمع الدولي.
  4. اغنى بلد افريقي من الناحية الأقتصادية وصل دخل الفرد الواحد سنوياً الى اكثر 9,529 دولاراً.
  5. يمنع على المواطن الليـبي العمل في الخارج، الإ لغرض الدراسة ، وهي من البلدان القليلة التي تتجه اليها العقول للعمل فيها لكثرة مردودها الأقتصادي.

من خلال هذه النقاط التي ذكرتها آنفاً، سؤال يطرح نفسهُ كثيراً  ” ماالسبب الوحيد الذي انتفض الشعب ضد زعيمهم ؟، إذا كان البلد غني بهذا الشكل ماذا يريد الشعب أكثر من هذا ؟، ومن كان وراء الأنتفاضة الشعبية التي دامت أكثر من ثمانية أشهر تقريباً؟.

ألم يكن افضل حالاً لليبيين ان يحكمهُ (كافر عادل اهون من مسلم مستبد) من مجلسٍ انتقالي تأسس في حضن الغرب و مبني على أسس دينية بحتة . وتتصرف وفق هذا المبدأ.

أحاول بأختصار ان اتطرق الى مواضيع عدة حول ليبيا ( مع احتراماتي لكل الليبيين و أود ان يساعدوني فيها وتصحيح المعلومات وكما اطلب من شباب شرق الأوسط ان تفتح باب الحوار حول ليبيا واسبابها و نتائجها).

انتفض التونسيون والمصريون ضد الجوع وهذا حقٌ شرعي لهم، لكن إن كان الجوع سبب الأنتفاضة هل كان الليبيين جياع، لا اظن ذلك، بل كان اكثر من ذلك وهو ان القضية السياسية و مصالح الدول الغربية في المنطقة   كانت تود اعادة النظر في استثماراتهم داخل البلد.

كان الأولى لمواطني دول الخليج الأنتفاضة ضد ملوكهم ورؤوساءهم، لأنهم يحكمون البلد أكثر مما حكم قذافي وباقي الرؤوساء العرب في المنطقة، وأصبحوا كتلة واحدة يصعب حتى التفكير في إزاحتهم. اليس من المفترض ان نتطرق الى هذا الوضع وخاصة في المملكة العربية السعودية التي تفتقر الى ابسط مقومات حقوق الأنسان، وحق الترشيح للمرأة !! ( صحيح صدر مرسوم ملكي بحق الترشيح للمرأة في السعودية لكن بعد ماذا؟).

لااود ان اكون في موضع الدفاع عن القذافي أو نظامهِ السياسي، لأني لااعلم كيف حكم و ماذا حكم وماذا فعل ايضاً لكن هنا اقف ضد كل الممارسات الوحشية التي جرت في الوطن العربي أوحتى التي حدثت في بلدي اوفي اي مكان من هذا الكون البشري.

طريقة القاء القبض على القذافي و تعذيبه حتى الموت هذا هو صلب الموضوع الذي اود مناقشته معكم.

لأن حسب التقارير الأستخباراتية و الصحفية التي نشرت بعد الأحداث تفيد بأن القوات الخاصة تابعة للمخابرات البريطانية هم من قاموا بالقاء القبض على الزعيم الهارب في سرت مسقط رأسهِ، بعدما رصدوا اتصالاتهِ و تحركاتهِ. وطلب من قوات المجلس الأنتقالي بضبط الخطوط الخارجية للمدينة لكي يضيقوا على الزعيم عدم هروبهِ بأتجاه الدول المجاورة.

ولكن بغض النظر عما اتم اليهِ من مهام لكن القوات الليبية لم تكن مهتمة بهذا الموضوع بل بالأنجازات التي حققوها على أرض الواقع، ولكن الناتو لم تهتم بما كان المجلس يراه بل اتممت المهمة الموكلة اليهِ بقتل الزعيم الليبي.

قامت القوات الخاصة ( البريطانية و هناك من يقول بأنها كانت فرنسية) المهم هو من نفذ الهجوم على قافلة القذافي كان من ضمن حلف الشمال الأطلسي (ناتو)، سلموا الهدية للثوار و قاموا بما شاهدناه على التلفاز بتعذيبهِ وبعدها التمثيل بجثتهِ.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز النقاب عن اجتماع عقده البيت الابيض يوم الاربعاء الماضى قبل الاعلان عن مقتل القذافي بهدف بحث مصير العقيد الليـبى فى حال تم القبض عليه حيا سواء في ليبيا أو فى دول مجاورة. وهنا اشير بهذا التقرير لكي يكون معلوماً للكل.

وهذا النص الذي قد نحتاج اليهِ (أشارت الصحيفة فى هذا الصدد الى ما جاء على لسان بعض المسؤولين الامريكيين حول إنقسامات حادة داخل المجلس الانتقالي بشأن تقرير مصير العقيد القذافي حيث رأى البعض ضرورة أن تتم محاكمة القذافي داخل ليبيا بينما أعتبر البعض الآخر أن محاكمته سوف تثقل كاهل المجلس الانتقالى بعبء ثقيل الى جانب العديد من المشكلات الاخرى التى يعانيها بالفعل). واختتمت الصحيفة الامريكية مؤكدة أن قتل القذافى كان من بين ثلاث سيناريوهات تمت مناقشتها خلال جلسة البيت الابيض يوم الاربعاء الماضى. اليس هذا هو جوهر الموضوع قتلهُ لكي تنتهي معهُ كل مهمام واثقال النظام؟!!.

اذاً مالفرق بين المجلس الأنتقالي و النظام السابق في ليبيا؟ اقولها لاشيء فهما يشبهان وجهين لعملة واحدة، الم تكن أمريكا والدول العظمى وراء الأحداث الليبية لكي كما ذكرتها اعادة برمجة الأستثمارات في البلد الأفريقي والغني ومن دفع الفاتورة كما كشفها وزير الخارجية السورية في احدى مؤتمراتهِ.

اليوم ما مبلغ الديون الليبية لحلف الشمال الأطلسي (ناتو)؟، وماذا تنتظر ليبيا بعد القذافي ؟، هل نتوقع ان يشهد هذا البلد الأفريقي تغييراً جذرياً في سياسته الداخلية والخارجية وأنفتاحاً ديمقراطياً نموذجياً، بصراحة و بكل مرارة اقولها بل ستنتج فوضى سياسية أولاً و صراعاً وسنترحم على ماكان عليهِ هذا البلد العزيز.

يظن كثير منا إن الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة يحمل كثير من التغيرات لكنها بالعكس تحمل كثير من المفاجعات وكثير من الأنقسامات وابسط المثال على ذلك تونس ومصر وقبلهم العراق الذي لم يشفى لحد يومنا هذا، صحيح هناك اختلاف بين العراق وباقي البلدان الأخرى لأنها احتلت من قبل القوات الأمريكية في 2003 والتي من المفترض ان تنتهي في نهاية العام الحالي. لكنها لم تجلب للعراق سوى بلاء و مشاكل وتفجيرات وتدخلات يومية من قِبل إيران وتركيا وووو.

اود ان اذكر مقتطف بسيط عن العقيد السابق معمر القذافي عن مواقفهِ من الكورد والدولة الكوردية و العراق.

نعلم جيداً ان العقيد كان يكره صدام حسين كرهاً لايطاق، وحتى كان لايعترف بشيء اسمه الوطن العراقي، وهذا مادفعه لتمويل إيران ضد النظام البعثي في العراق، سنوات الحرب الثمان (1980 – 1988 )، وحسب مصادر كوردية كان القذافي قد مَول الحركة التحررية الكوردية بالسلاح و المال (اي معنوياً ومادياً)، وحضن كثير من المعارضين الكورد والعراقيين في بلدهِ وكان قد أنقذ ” الشاعر الكبير مظفر نواب” من الأجهزة الأستخبارات العراقية الذين قد خطفوه بالطائرة.

اتذكر مرة (قرأت خبر نشر في صحيفة حزب العمال الكوردستاني)، في تسعينات القرن المنصرم، بإن العقيد نفسهُ شارك في أعياد النوروز الذي اقاموا مركز ميزوبوتاميا في طرابلس وقال حينها ” اتمنى بيدي ان ارفع علم كوردستان على سفارة كوردستان هنا في طرابلس”.

انا شخصياً حتى مع هذا احببت هذا الشخص لأن من مجموع 22 بلد عربي نعيش بينهم، هو الوحيد الذي دافع عن حقوقنا الشرعية وطالب بتأسيس دولة كوردية. ومقتلهِ بهذه الطريقة الغير الإنسانية لا اقول إسلامية لأن  من قاتوا القذافي كانوا يعلنون أنفسهم مسلمين من العيار الثقيل، في تلك اللحظة اين الشرعية الأسلامية وأين المبادىء الأسلامية التي نادوا بها وأين كان رئيس المجلس حينذاك؟

هذا الشخص الذي يقال عنهُ انه مجنون و مريض نفسياً الم يبني بلده على احسن طريقة، ومالعيب في جنونهِ فكل مجانين العالم عباقرة، وحتى انشتاين كان مجنوناً أخترع قنبلة نووية واستفادت منه امريكا دُمر بها هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين؟.

لكن من يقوم بالثورة ضد الطغاة يجب ان يكون مثالياً، واميناً لشعبهِ ولم يشارك (الطاغية) في جبروتهِ، المجلس الذي تأسس في المنفى بأسم المجلس الأننتقالي الليبي يشبه المجلس السوري المؤسس تحت المظلة التركية و كذلك تبقى تحت تاثيرها وطلباتها.

السيد مصطفى عبدالجليل مستشار أو رئيس المجلس لماذا لم يقم بتأسيس حكومة في بنغازي بداية الثورة و انتقال الحكومة بعدها الى طرابلس عندما دخلوها؟

اليوم ليبيا امام مرحلة حرجة و قد تدخل في نفق قد لاتخرج منه بسهولة، لأنها اليوم وقعت تحت ديون ثقلية و تبدأ مرحلة اخرى فيها وهي تصفية الحسابات، كما يجري اليوم في العراق ماعدا التفجيرات وقتل العمد ولاننسى الصراعات السياسية على السلطة ومنابع الأقتصاد الليبي الذي يأتي ترتيبه في العشر الأوائل من الدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي.

في الختام رأيي الشخصي اقوله وبكل صراحة ” انا متشائم من الوضع في ليبيا وسنرى صومالاً آخراً في شمال افريقيا، لااقول ولا أشهد على إن العقيد القذافي كان صمام أمان البلد، لكن البلد كان يحتاج الى مراحل من التطور ” التنموية الأجتماعي – الفكرية والسياسية”. وكان من المفترض بناء منطقة حماية دولية ومنها تكون الأنطلاق نحو إسقاط النظام.

المجلس المؤسس في البلد تم بعجلة و بأفكار أصولية اسلامية متطرفة ويحكمه شخصية كانت في الأمس من قيادات الحركة الجهادية، واليوم بفضل الأقتصاد والأستثمار تقاربت الغرب مع الأفكار الأصولية الجهادية في ليبيا وقاموا سوياً بإسقاط النظام القائم في طرابلس لكي يتم تقسيم الكعكة. هذا ومن حق المواطن التقرر بمصيرها السياسي و الأقتصادي وحتى الأجتماعي الأستثمار في ذلك، لكن ليس من الحق المجلس التقرر بمصير جيوب الشعب الليبي ماهو افضل لها، لأن النظام العراقي فعل هذا سابقاً وفشل فشلاً ذريعاً ووصل الى مانراه اليوم على الساحة السياسية في العراق. وسيكون نموذج ليبيا الحالية العراق الأمس عما قريب.

ولهاذا اقول نهاية الحياة الزهيدة و الرخاء الأقتصادي انتهت وبدأت الأزمات و الصراعات في ليبيا ومشقة الحياة وصعوبة العمل وحتى التعليم المجاني وصل الى نهايتهِ ويتوفر كل شيء مقابل شعار ( ادفع اولاً ثم استلم ) وستعاني الغرب من الهجرة الليبية نحو الخارج.