اقر جميع المراقبين والمحللين السياسيين بالفوز الساحق لحزب النهضة التونسي وكما سبق أن اشرنا في مقال سابق في موقع “شباب الشرق الأوسط” وغيره أن الاتجاه الإسلامي المتمثل كان يحظى بقبول في الأوساط الشعبية وان أطروحاته كانت جد متقدمة بالنظرالى الأطروحات الإسلامية في مواقع أخرى. توقعنا هذا الفوز سابقا لأننا من المهتمين بالحركات الإسلامية منذ سنوات عدة. وأيضا كنا مدركين هذا الفوز الكاسح بالرغم من القهر والدكتاتورية في الوطن العربي والاستبداد السياسي للحكومات الغربية في تعاطيها مع ملف الاتجاه الإسلامي في المنطقة العربية والاسلامية عموما. لكن أين يكمن سر هذا الفوز . وما هي المقدمات الموضوعية والذاتية التي كانت سندا قويا في هدا الفوز.
1- التحول السوسيوثقافي في المجتمع العربي الإسلامي .
-الانبعاث القومي الماركسي
لم يعد خفيا أن تعتبر التحولات الثقافية في البنية الاجتماعية من أهم العناصر في إنتاج عقل جديد قد يشكل الوعاء العام في إعادة رسم المزاج الفكري والعقدي وحتى السياسي عند الشخص والمواطن بشكل أدق. بالأمس القريب في مطلع الأربعينيات وبداية الخمسينيات كان رواد الفكر السياسي والثقافي يقودون المعركة الثقافية والإيديولوجية في مواجهة ألاختراقي الثقافي الغربي الليبرالي البرجوازي الوافد عبر الإعلانات و الإذاعات و وبرامج التلفاز وما شاكل لان قوة المثقف العربي في تاطير قطاعات كبيرة من المجتمع العربي الامازيغي في الوطن الإسلامي وحتى المسيحي منه كانت من الحجم الثقيل نتج عنه ردع الاختراق لكن مظاهر العلمنة تم قبولها على مقاس الحداثة العربية.. وتكمن قوة المثقف العري في قدرته وذكائه في التعاطي مع الواقع الذي شكل البؤس والحرمان أرقى أشكاله إذا تلك هي اللحظة التاريخية التي امتزجت بأصالة الفكر التحرري المتمثل في القومية وحضور الغطرسة الغربية والأمريكية والدعم اللا مشروط للكيان الصهيوني كما أن مظاهر التدين لم تكن بالشكل الذي قد يعطي انطباعا لهدا المزيج اللحظي فاغلب الكتابات في تلك الحقبة لم تكن تهتم بالثقافة الدينية بشكل عام وأما الحديث عن المشروع السياسي من خلال المنظومة الدينية فلم يكن له اثر يدرك. هكذا اذا استثنينا كتابات المثقفين الشيعة في العراق ولبنان و إيران والتي لم تكن قد وجدت موقعها في المجتمع العربي الامازيغي في الوطن الإسلامي نذكر هنا على سبيل الحصر كتابات السيد بقر الصدر و”المطهري” وهذه الاخيرة من الكتابات سوف تشكل الانبعاث الثاني للنهضة العربية الامازيغية في الوطن الإسلامي.
ففي مرحلة الخمسينيات كانت كتابات القوميين العرب والماركسيين تمثل المرجعية الفكرية لكل الأطروحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فتشكل عقل جديد محوره القومية العربية والماركسية اللينينية في التعاطي مع البنيات الاجتماعية ومع كل الأسئلة الفلسفية للكون والإنسان مما خلف قاعدتا عريضتا من الطلبة المستوعبين لهدا الطرح الجديد في مقابل الاستبداد الداخلي و الاستكبار العالمي. وقد مكن هدا الخزان الكبير من هدا القطاع أن يتحول لاحقا إلى أمواج من الكتاب والمثقفين القوميين والماركسيين بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية والانتقال إلى مرحلة التخرج لتصبح هده الطاقة من الأطر الثقافية مراجع داخل المجتمعات العربية الامازبغية في الوطن الإسلامي والمسيحي وهكذا أصبح الخط العام والمزاج المجتمعي يتبن أراء وأفكار أبناءه الخريجين فلا حديث في الجامعات و المنتديات إلا عن الطرح القومي و الماركسي في شقه الإيديولوجي وبنسبة اقل في الشق الفلسفي حول العالم وموضوعات الخلق .
كما أننا لا نستبعد المؤثرات الخارجية والتي تمثلت في الثورة” البولشوفية” و”الصينية والثورة الفلسطينية والتي بدورها قدها مناضلون قوميون في تلك الحقبة من اللحظة التاريخية ويهدا الشكل أصبح الخط العام للمجتمع يتناغم مع أطروحات أبناءه الجامعيين الدين أصبحوا قادة في الأوساط الجماهيرية. وهكذا كان السياسي والمثقف والطالب مستوعبين لتلك اللحظ التاريخية فكانت جميع المشاريع الفكرية والسياسية تصب في العداء المطلق لليبرالية والصهيونية مما اكسبها نجاح كبيرا في مراحل الاستحقاقات الانتخابية فلا حديث يعلو فوق الثور الفلسطينية و القومية العربية تلك آدا شعار الهوية وملامح الثورة الشعبية .
-2 الانبعاث الديني الثوري.
بعد النكسة وانهيار المشروع العربي القومي وعدم قدرته على استيعاب الهزيمة من خلال إعادة قراءة المسار النضالي والفكري برز الخط الديني الثوري والمتمثل في أطروحات سيد قطب في مصر وباقر الصدر في العراق ونداءات زعيم الثورة في إيران الإمام الخميني بدء طلاب جامعيون وتلامذة الصف الأخير ينفتحون على هكذا كتابات في محاولة لفهم الأزمة الفكرية التي سقطت أمام النكسة كما أن كتابات بعض المفكرين الأقل حماس من تبني الفكر الثوري الديني ساهمة هي كدالك في فهم اللحظة الجديدة وهو لماد سقط النضال الوطني في مواجهة الاختراق الصهيوني والبطش الأمريكي للقضاء على “الثورة البولشوفية” والثورة “الماوية” هنا يأتي الرد الطبيعي والسريع للنكسة وقد تمثل في السؤال الفلسفي و الإيديولوجي فكانت كتابات السيد محمد باقر الصدر من خلال كتاب فلسفتنا” و اقتصادنا ثم تلاه الطرح الثوري الديني في مواجهة الاستكبار العالمي أمريكا و” إسرائيل” لقد قدمت الثورة في جمهورية إيران جواب على التصدع النضالي في الوطن وإخفاقه في هزيمة الكيان الغاصب وهكذا بدأت تتوافد جموع الطلاب والمثقفين على كتابات اقتصادنا الذي وضع التحليل البنيوي بين عنق الزجاجة واخرج النظرية الإسلامية من الرفوف و دورة المياه إلى واقع القراءة العقلانية للاقتصاد وللسؤال الفلسفي كما أن كتابات علي شريعتي و عبد الرحمان الكواكبي والنورسي” ونضالات محمد بن عبد الكريم الخطابي شيخ الريف في المغرب و”عبد الرحمان بن باديس” في الجزائر كله تحولت إلى قاعدة للمعطيات تم من خلالها إعادة صياغة العقل العربي وطرح إشكال جدوائية الطرح الماركسي و القومي وإعادة صياغة سؤال الهوية والدي لم يكن في السابق الاعنصرا شكلي كما في الدساتير العربية هنا بدا التحول الثاني داخل المجتمع العربي الامازيغي في الوطن الإسلامي المسيحي لقد أضحى سؤال الهوية مفتاح الاتجاه الإسلامي السياسي بالنظر للاختراق القيمي والأخلاقي الذي ساد مرحلة الخمسينات والستينات فلا معنى لمناضل يجلس للسهر بين العشيقات والكأس أغمض عقله ليتيح لطائرات العدو قصف مطار القاهرة العسكري أو دالك المناضل الذي أعجبته عيون لم يدري أنها عيون التجسس على حساب ” إسرائيل” في قمة الغرام.
عود على بد. بدا التيار الإسلامي السياسي يتعاطى مع سؤال المرحلة وهو الاختراق القيمي الأخلاقي و سؤال النضال الثوري في مواجهة الكيان الغاصب في هده الفترة بدا الصراع الإسلامي الماركسي في الجامعات وامتد إلى حدود التسعينيات تم من خلال الكتابات والردود ليصل إلى مرحلة الأزمة وهو السؤال الفلسفي الذي أحرج الاتجاه الماركسي الذي ظن أن نقد القوية أصبح مقبولا عند المجتمع فكان حجم العالم عنده في اللقاءات الموسعة بين الماركسيين ونقاشات الجموع الطلابية في النوادي و باحات الجامعات والبيوت هنا أصطدم العقل العربي الماركسي مع المجتمع على أن سؤال الهوية الدينية يمكن وضعه في محل النزاع. وهكذا تمكن الاتجاه الإسلامي من استرجاع العنصر الديني كعنصر فاعل في المجتمع وأدت للتغيير في أي خيار من خيارات التحرير والتغيير استمر هدا التناغم الفكري والهويتي والتحريري والتغييري مع التركيبة النفسية للمجتمع الاسلا مي خصوصا ومع معقولية الطرح الإسلامي في الهوية والتغيير والتحرير. إلى أن تفطن النظام العربي لهدا التناغم بحيث أصبح هذا الأخير يهدد كثيرا من الكراسي فتم اشتراط تحالف غربي صهيوني عربي لمواجهة الاتجاه الإسلامي واستئصاله مما خلف استياء كبيرا في الوسط الشعبي فأصبحت المظلومية عنصرا انضاف إلى سؤال الهوية و التغيير والتحرير في ملف الاتجاه الإسلامي وهكذا سطع نجمه ومن خلال- أيضا- العلاقات الشعبية لقواعد ورموز هدا الاتجاه وقدرتهم على العيش إلى جانب الاستضعاف و الفقر المستشري في المجتمع .
فمن خلال هذا الطرح يمكن وبشكل مختزل أن نؤكد الأسباب المؤسسة لنجاح الاتجاه الإسلامي في الوطن العربي والإسلامي عموم في أربع محاور
-1- التشالدينية والسؤاللها.( الهوية الدينية والسؤال الفلسفي.)
-2- المطلب التغييري في الداخل.
-3- المطلب التحريري في الخارج. ( خط المقاومة- القضية الفلسطينية)
-4- المظلومية تحت ضلال الحكومات الاستبدادية.
2 تعليقات على فوز حزب النهضة في تونس – قراءة في الخلفيات (المطلب السوسيو- ثقافي)
مشكلتي مع الأدبيات والخطابات اليسارية سيد كمال أنها غارقة في الاصطلاح والكلمات الكبيرة، والتي أستطيع فهمها تمامًا عن نفسي، ولكنها بعيدة كل البُعد عن الواقع الذي نعيشه. ما علاقة الحركات اليسارية المؤدلجة بالربيع العربي، سيد كمال؟ واجعلني أسألك هذا السؤال صراحة؟ ماذا تظن؟؟
العلاقة بين الحركات اليسارية المؤدلجة والربيع العربي هي صفر كبير، هي مثل العلاقة بين اللغة الفارسية وحكومة أيسلندا! اعذرني لصراحتي!
Pingback: شباب الشرق الأوسط » أرشيف المدونة » العدالة والتنمية والتسيير الحكومي في المغرب – الراهن والآفاق