عرف المصريون القدماء مرض البلهارسيا ، و لكن إنتشار طفيل البلهارسيا كان محدوداً لأن القواقع كانت تموت في موسم الجفاف حين تجف قنوات الري و ينخفض منسوب نهر النيل ، و مع بناء مشروع السد العالي توفرت لطفيل البلهارسيا بيئة مناسبة للإنتشار حتى وصلت نسبة الإصابة بين المصريين في فترة من الفترات إلى 40 % و أصبحت محاربته ضرورة قصوى
منذ أواخر الخمسينيات إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي شهدت مصر أكبر حملة عرفها العالم لمحاربة مرض البلهارسيا ، أطلقها أولاً الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و أستمرت من بعده ، مسحت الفرق الطبية القرى و النجوع تحلل عينات البول و البراز و تعالج المصابين بكورس من عقار ( التارتار ) يتكون من 16 حقنة على مدار ثلاثة أشهر ، الحقن و المعدات الطبية نادراً ما كانت تخضع للتعقيم بشكل كافي لمحدودية الموارد و لضخامة الأعداد المراد خدمتها و غياب الوعي الصحي السليم
بعض مرضى البلهارسيا كانوا يحملون فيروس إلتهاب الكبد الوبائي سي في دمائهم ، و خلال تلك الحملة الطموحة للقضاء على البلهارسيا عبر حقن التارتار إنتشر فيروس سي – الذي ينتقل عن طريق الدم – عبر الحقن و المعدات الطبية الغير مُعقمة إلى أعداد ضخمة من المصريين . لم يكن الأطبا يعرفون أنهم و هم في سبيلهم للقضاء على وباء يساعدون على إنتشار وباء آخر
في منتصف السبعينيات تم إكتشاف أول عقار لمعالجة البلهارسيا عن طريق الفم و في عام 1982 إعتمدت مصر عقار ( البرازيكوانتيل ) الذي يؤخذ عن طريق الفم كوسيلة جديدة لمحاربة البلهارسيا و توقفت عن حقن المرضى بالتارتار
الآن في مصر تشير إحدى الدراسات الحديثة إلى إلى أن اختبارات الأجسام المضادة لفيروس التهاب الكبد الوبائي جاءت إيجابية لحوالي شخص واحد من كل سبعة من سكان البلاد البالغ عددهم 83 مليون نسمة، وهذا يشير إلى أن هؤلاء الأشخاص أصيبوا بهذا الفيروس في مرحلة ما. ومع ذلك ، فإن شخص واحد تقريبا من بين كل عشرة مصابين يحمل المادة الوراثية للفيروس (الحمض النووي الريبي)، وبالتالي تكون إصابته مزمنة
نسبة الإصابة بفيروس إلتهاب الكبد الوبائي في مصر هي الأعلى في العالم .. عشرة أضعاف مثيلاتها في أوروبا و أمريكا ، ففي حين يصاب 14 % من المصريين بالفيروس لا تتعدى نسبة الإصابة في السودان حاجز ال 2 % و لا تتعدى ال 1% في الولايات المتحدة ، و هنالك مائة ألف مصري يصابون بالمرض كل عام
فيروس إلتهاب الكبد الوبائي سي .. ينتقل عن طريق الدم ، و 60 % من أسباب إنتشار العدوى تحدث في المستشفيات و العيادات الطبية التي لا تهتم بتعقيم الأدوات الطبية و توصيات السلامة العامة ، و تساهم السلوكيات الإجتماعية الخاطئة – مثل إستخدام ماكينة حلاقة شخص آخر أو عدم الإهتمام بإستبدال أمواس الحلاقة بصالونات الحلاقة – في إنتشار المرض ، في حين أن نسبة إنتقال العدوى عبر الإتصال الجنسي ضعيفة جدا و هي بين 1-4 % فقط
و أخيراً أتمنى أن تنجح الحملات المصرية لمحاربة الفيروس ، مع التركيز على نشر الوعي الصحي بين المواطنين للحد من الممارسات الإجتماعية الخاطئة و أتمنى أن ينتهي التمييز ضد مرضى فيروس سي في مختلف مجالات العمل
2 تعليقات على ارفعوا الوصم عن مرضى ڤيروس سي!
أشكرك يا جيمي على هذه المقالة الرائعة… جهد يُشكر منك للتوعية حول هذا الفيروس الوبائي بمصر.
انهادرة شوفت التريلر بتاع فيلم أسماء، للتوعية بوصم إتش.أي.في، وقريت مقالتك للتوعية بوصم فيروس سي. أعتقد أن العمل على وصم إتش.أي.في أصبح كبير وكبير جدًا في العالم، ويجدر بنا توجيه بعض الجهود لوصم فيروس سي… ليس فقط للوصم، ولكن لخطورة المرض الذي يودي للوفاة أسرع من إتش.أي.في، حيث أن المرض إتش.أي.في. قد لا يودي للوفاة أصلًا، ولكن احتمالات الوفاة في إتش.سي.في عالية وعالية جدًا!
هذ المقال من أجمل ما قرأت