ضمن الصراع الفكري الحاد, والدموي ايضا, في القرن الثامن عشر في اوربا, بين فلسفة الانوار من جهه ومن جهه اخرى الاقطاع والكنيسه, استطاع الفكر العلماني الديموقراطي ان يؤسس لمفهوم الوطن, والمواطن المستند بقوة على الحقوق المتساوية للمواطنين المتحدين بحرية ضمن نظام قانوني نافذ على الجميع والغيت الامتيازات والفرق بين المراة والرجل ولم يعد هناك مكونات بل شعب تلتقي مصالح افرادة في تلك الوحدة. ان هذا الانتصار التاريخي للعلمانية, التي ملاصقتها الديموقراطية, بنت منظومتها على اعمدة غير منفصله عن بعضها البعض, والتي يمكن حصرها بـ:
1- لا وجود للحتميه
2- لا سلطان على العقل الا بالعقل نفسه, و
3- ان السلطة يجب ان تكون شرعيه
وخاض الديموقراطيين صراعا حادا ضد امتلاك الكنيسة والحاكم “حق السلطة بتفويض الهي”, وساعدت الانتصارات العلميه في ترسيخ دور بارز المكانة للعقل والعقلانية. وصف كِنت المؤسسات الكهنوتية والسلطات الاستبدادية بانها مؤسسات تدوس بارجلها حقوق البشر المقدسة, وقدسية الحقوق هذة كما يطرحها كِنت تنتمي الى العقل والعقلانية وليس الى حقوق ممنوحه, ولا وجود لسلطان يحكم بحق الهي. وظهر هنا حق المواطن, بغض النظر عن الجنس او الدين او الطائفة او الاثنية او الاختلافات الثقافية, في المشاركة في اختيار ممثلية في السلطات اي في اتخاذ القرار لينوبوا عنة في فترة زمنية معينة, الا ان الموطن هذا احتفظ بحقة في مراقبة ممثلية وحقة في سحب الثقة عنهم, مما تطلب تطوير مفهوم ووظيفة الديموقراطية الى ديموقراطية تحريريه بمعنى تحرير المواطن من التبعية وخلق المواطن الواعي لمصالحه, والمدرك ان السلطات دنيويه, يتوجب تغيرها ان اخلت بالتخويل الذي منح لها. الا ان الانتظار دورات انتخابية يهدر الطاقات ويفوت الفرص, ولهذا تطلب ان يكون المواطن فاعلا مواطن سياسي لا جاهل, يضغط من اسفل عبر تنظيماتة المختلفة والمتعددة.hا
ان تاسست المواطنه لا على اساس المساوات بين جميع المواطنين, وبني الوطن على اساس مكونات ويتخذ القرار على اساس توافقي يمثل مصالح الكتل الكبرى, ستظهر لنا مفاهيم لا تمت بصلة بالديموقراطية اطلاقا, مثل الاقليات. وان ساد هذا المفهوم المستند على العددية نقضت الديموقراطية وبدات تتلقى ضربات مع ظهور توزيع عددي للحقوق وسيظهر مرتا اخرى مواطنين لا يتمتعون بحقوق المواطنة المتساوية ويقتل المبدأ الديموقراطي تنفيذيا والمستند على ان لكل موطن صوت واحد ويصبح الصوت الواحد من المجموعة الاكبر اقوى من الصوت الواحد من “الاقليات”, وهذا سيمثل بداية التراجع لكامل العمليه الديموقراطيه.
ان بناء وطن على اساس مكوناتة يتطلب قوى تمثل تلك المكونات وبالتالى لا تصبح تلك القوى ممثلة للوطن بل جزء منة, وتتجلى الصراعات في السلطات الثلاث على تمثيل مصالح المكون وليس الوطن, وينهي وعي المواطن السياسي ويتحول الى وعي طائفي او اثني او عشائري او مناطقي او مركب من بعضهم.
يوّصف برهان غليون الديموقراطية بانها” الصيغة الوحيده التي تبدو اليوم في منظور القيم والمفاهيم السياسيه السائده قادره على ان تؤسس لماهية الانسان كانسان سياسي, اي كمواطن حر ومسؤول وصاحب هويه سياسيه تجمعه مع غيره من المواطنين”, والمواطن السياسي مرتقي بالوعي باهميته هو كفرد كمواطن ضمن المجموعه, المواطنين, ليشكلوا وطنا غير مبني على امتيازات مجموعة على حساب مجموعه اخرى, فالوطن لا يبنى على اساس الاقلية- الاكثرية العددية المشتقه من اغلبيات واقليات دينيه او اثنيه او ثقافيه, اي ان الوطن يبنى على نقاط التقاء المصالح.
بعد اندحار السلطه الاستبداديه في العراق ومصر, والتي كانت اثناء حكمها حاضنة للفكر الاستبدادي والمتطرف تلجئ اليه في اوقاتها العصيبة وتستخدم الكثير من مخزونه الفكري, ازدهرت التيارات السياسيه والفكريه المعاديه بالممارسه للديموقراطيه وراكمت من شعبيتها باستنهاض المشاعر, ولم يقابلها من القوى الديموقراطيه استنهاض للمشاعر الوطنيه, في ظروف عدم تبلور مفهوم متفق عليه حول ماهية الديموقراطيه وشكلها المناسب للعراق مثلا وكيفية بناءها. وتختزل هذه القوى مفهوم الديموقراطيه بـ ” صندوق الاقتراع ” فقط ساعية لتكوين فهم ووعي شعبي عام شديد التبسيط عن الديمقراطية بانها حرية ممارسة الحرية الفردية كل اربع سنوات في يوم يمنع فية التجوال.