تحولت الجيوش العربية من مجرد وسيلة هدفها الأساسي و الرئيسي هو حماية حدود البلاد من هجمات الأعداء الخارجية و صدها , إلى مجرد أداة لحماية أنظمة الحكم المستبدة و الديكتاتورية وقمع الإنتفاضات الشعبية المناهضة له, كما هو الحال الآن في سوريا و ليبيا و البحرين و إن كانت الأحداث البحرينية تختلف تماما عن الأولى و الثانية ولكن الأساس هنا هو أن الجيش يظل المتورط الأول في الأحداث و الجرائم التي تحدث الآن تجاه المدنيين العزل.
ومن هذا المدخل أتحدث عن كيفية أن أكون شخصا مدنيا قد طالبت من قبل و مازلت أطالب بإعطاء تلك الشعوب حقوقهم المشروعة في إنهاء حكم أنظمتهم الفاسدة التي عفا عليها الزمان و إقامة دولتهم الديموقراطية كما يرونها , أن أشارك يوما في جيش قد يقوم غدا بقمع الإنتفاضات في بلدي و أن يحيد عن هدفه الأساسي , كيف أقبل بأن أحمل يوما سلاحا دفع الشعب ثمنه و أن أقتلهم به , أو أن أعتدي على شخص بناءا على أوامر من القاده يطالب بما كنت أطالب به يوما و أنا مدني ؟! , و إن عصيت الأمر حولوني إلى القضاء العسكري لأعاقب بالحبس , فبمجرد تحولك إلى الحياة العسكرية إجبارا تفقد بذلك مبادئك التي تؤمن بها و حقك في الإختيار.
فالخيط الذي يفصل مابين الحياة المدنية و الحياة العسكرية هو خيط رفيع جدا تتحول من خلاله و في أشهر معدودة من حياتك كشخص عادي متاحة أمامه سبل الإختيار المتنوعه إلى شخص آخر تتقلص أمامه جميع الإختيارات إلى إختيار واحد فقط. من منا يرضى بذلك ؟, من منا يرتضى بأن تسلب حياته و حريته في لحظة ليتحول إلى شخص مقيد طوال فترة معينه ؟, من منا يرضى بأن يتحول إلى مجرد آلة تنفذ و تطيع الأوامر بدون نقاش ؟, من منا يرضى أن تمحى هويته كفرد مستقل ليصبح مجرد تابعا لتسلسل قيادي أنت قاعدته و بالتالي أنت لست مؤثرا فيه ؟
لو تخيلت مثلا أنك شاب تحب فتاة و قام والدك بإجبارك على الزواج من فتاة أخرى , هل ترضى ذلك ؟ بالتأكيد لا ستقوم برفض الأمر ثم الدفاع عن حقك في أنك شاب و لك حق إختيار من تتزوجها , هكذا الجيش تكون مدنيا و لديك فرصا كثيرة و مستقبلا أفضل ثم تجبرك الدولة على أداء خدمتك العسكرية لمدة لا تقل عن عام إذا حالفك الحظ و أصبحت عسكريا, و ثلاثة أعوام إذا أصابتك العينة و أصبحت ضابطا , هنا تنتهك المؤسسة العسكرية أبسط حقوقك كإنسان ألا و هو حقك في الإختيار ما بين أن تكون شخصا مدنيا متاحة أمامك العديد من البدائل أو أن تختار بإرادتك أن تتخلى عن الحياة المدنية و أن تقلص اختياراتك لتصبح عسكريا.
قرأنا الدستور المصري بالتأكيد , فالمادة الأولى تختص بالمواطنة , و تعريفها بشكل بسيط و مختصر وهو أنني كشخص أعيش في بلدي و بالتالي أحتكم إلى قوانينها على قدم المساواة مع جميع الأفراد الذين يعيشون في هذا البلد , و بغض النظر أيضا عن اللون و العقيده و العرق و الجنس, و تدعمها أيضا المادة 40 من الباب الثالث , أما ما يحدث في التجنيد الإجباري فهو منافي تماما لما ورد في الدستور و حقوق الإنسان , فالإشكالية الأولى تدور حول المساواة بين الجنسين فالذكور فقط من لهم حق التجنيد في مصر أما الإناث ليس لهن هذا الحق , فبالتالي هذا خرق واضح لمقولة أن الجنسين لهما نفس الحقوق و عليهما نفس الواجبات. و بالفعل أوصت لجنة القوات المسلحة و الهيئات الإستشارية و القضائية المنبثقة عن مؤتمر الوفاق القومي بذلك. ولكنها تظل في الآخر توصيات و مازالوا يصرون على إجبارية التجنيد , و لكنها تعتبر خطوة أخرى جديدة على الطريق.
أما بخصوص العقيدة فهناك تمييز واضح لمن يحصلون على الإعفاء لمجرد أنهم في نظر المؤسسة العسكرية من غير المسلمين كالمسيحيين فنسبة من يحصلون على الإعفاء عالية و الشيعة لمجرد أن العسكر مازالوا يؤمنون بأنهم عملاء للإيرانيين و البهائيين لأن دينهم ينبذ حمل السلاح و الحروب و يدعوا إلى السلامية و أنا أتفق في إعفائهم بسبب ذلك الأمر من التجنيد و الملحدين بالرغم من كونهم مصريين ,
لم يقتصر الأمر فقط على العقيدة بل إمتد أيضا إلى المنطقة الجغرافية التي تعيش فيها. فأهالي سيناء و البدو معفيين من التجنيد لأنهم أيضا في نظر المؤسسة العسكرية خونه و عملاء لإسرائيل و أهالي منطقة حلايب وشلاتين التي تقع على الحدود المصرية السودانية أيضا معفيين من التجنيد برغم إعتراف الحكومة المصرية بأن تلك المنطقة تقع داخل الحدود المصرية و تسري عليها القوانين المصرية.
ليس فقط العقيدة و الجنس و المنطقة الجغرافية بل إمتد الأمر إلى الأفراد أنفسهم فمن يحمل ملفا أمنيا بسبب نشاطه السياسي أو لمجرد أن أحد أقاربه تم إعتقاله لأيا من الأسباب أو من سافر إلى إسرائيل يتم إعفائه فورا, إذا على أي أساس ؟ أليس هؤلاء أيضا مواطنون مصريون لهم الحق في خدمة بلادهم كما يخدمها الآخرون أم أن المؤسسة العسكرية فقط هي التي ترى الأصلح لهذه الخدمة ؟.
و يقول الدستور أيضا في الباب الثاني : المقومات الأساسية للمجتمع المادة 13 حيث ذكرت أنه لا يجوز فرض أي عمل جبرا على المواطنين إلا عن طريق قانون لأداء خدمة عامة و بمقابل عادل. و هنا التجنيد الإجباري على المواطن و إجباره على تأديته خرقا آخرا لمادة من مواد الدستور , أما المقابل العادل لخدمتك كمجند في الجيش المصري تتراوح ما بين 57 إلى 150 جنيه كحد أقصى , أما إذا حالفك الحظ و تم تعيينك موظفا في الحكومة فسيكون مرتبك كحد أدنى هو 700 جنيه طبقا للقرارات الجديدة. فأيهما تختار ؟
و هناك أيضا التفريق على أساس التعليم فأصحاب المؤهلات العليا مدة خدمتهم عام واحد فقط و عامان لحملة المؤهلات المتوسطة و عامان و نصف لمن لا يحمل أية من المؤهلات فلماذا إذا التفرقة هنا ؟ , و أما لحفظة القرآن الكريم كاملا فلهم ما أسميه تخفيض أو أوكازيون من المؤسسة العسكرية حيث يقضون عاما فقط في الخدمة هذا إذا لم يتعاطف معهم الضباط فيمنحونهم الإعفاءات لهذا السبب !! , هذا ما يدعو إلى السخرية فلماذا لا يتم إعفاء من يحفظون الإنجيل مثلا أو حتى كتاب رأس المال لكارل ماركس ؟!
بالتالي عزيزي القارئ ليس لمجرد أنني أختلف معك في قضية رفض التجنيد الإجباري الذي تعتبره هو الشرف الأعظم الذي لا يضاهيه شرف و أن ترجمة حبك للوطن هو عن طريق أدائك للخدمة العسكرية, فتقوم بإتهامي أنني خائن لوطني أو أنني عميل لجهة ما أخرى أو أسعى لزعزعة إستقرار البلد أو أيا من تلك الإتهامات ذات المعاني الكبيرة و الغير مفهومه ! , فكلنا نخدم الوطن من مواقع مختلفة فالطبيب مثلا يداوي المريض و يمنع إنتشار الأمراض و بالتالي يقوم بخدمة الوطن , و الصحفي أيضا يخدم الوطن عن طريق نشر الجرائم و كشف الفساد , و السياسي كذلك عن طريق إدارة البلاد بطريقة تخدم الوطن أيضا و أما العسكري فهو يدافع عن هذا الوطن الذي يضم الصحفي و الطبيب و المريض لذلك خدمة الوطن لا تقتصر على كونك عسكريا من مدنيا ولكن تلك الشعارات فقط هي روجتها المؤسسة العسكرية لتضفي رونقا خاصا لإجبارك على حياة عسكرية ليست بإختيارك.
تخيل معي لو أن هناك فصلا دراسيا عدد الطلاب فيه حوالي 100 طالب و فصلا آخرا عدد الطلاب فيه حوالي 20 طالب , من سيحصل على التعليم الصحيح ؟ أو أيا من الفصلين سيحقق طلابه أكبر قدر من الإستفاده ؟ , بالتأكيد الفصل الثاني لأن عدد طلابه صغير و بالتالي المعلم سيؤدي دوره بأسلوب إحترافي أكثر و في هدوء تام , هكذا تطور الفكر العسكري الحديث بأن يكون لديك جيشا صغيرا مدربا بأسلوب إحترافي بدلا من التفكير القديم الذي كان ينادي بكثرة العدد أولا , فالعدد ليس هو المهم طالما أن كل مجند يدخل طوعا و بإختياره إلى الحياة العسكرية و يحصل على التدريب السليم و العالي بدلا من أن يصبح لدينا عددا ضخما من المجندين و بالرغم من ذلك لا يستطيعون حمل السلاح , و لنا في الحرب التي دارت ما بين العراق و أمريكا موعظة.
هل تعلم عزيزي القارئ أن حجم ما أنفقته مصر على المؤسسة العسكرية و التسليح عام 2009 هو 7,150,000,000 دولار بإرتفاع فارق 4,710,000,000 دولار عن العام 2003 , ( ملحوظة : هذه نسب تقريبيه بحسب ما تم نشره بموقع وكالة الإستخبارات الأمريكية عن حجم الإنفاق العسكري في العالم ) و ما خفي كان أعظم لأن الإحصائيات السليمة يعلمها القائمون على المؤسسة العسكرية و تحيطها بالغموض و السرية لأسباب أمنية و ما إلى ذلك. لماذا تنفق مصر على التسليح كل هذه الأرقام المهوله بالرغم من أننا لم ندخل أية حروب منذ عام 1973 ؟ ألم يكن من الأجدى أن ننفق و لو نصف هذه الأموال على تطوير التعليم المنتهي صلاحيته أو على تطوير البحث العلمي ؟
و حتى نستطيع أن نقتص من ميزانية الجيش حتى نرشد إنفاق أموالنا التي تصرف في الفراغ و بلا جدوى فنحن لسنا في حالة إستعداد أو حرب حتى ننفق على الجيش كل هذه الأموال الطائله ,لذلك يجب أن يتحول التجنيد الإجباري إلى تجنيد إختياري حتى نستطيع أن نقتص ما ينفق على هذا العدد المهول من المجندين و نوجه تلك الأموال إلى ملفات أكثر أهمية من التسليح فمن وجهة نظري أن هذه هي الخدمة المثلى للوطن ولكن في إعتقادي أن هناك مستفيدين من القائمين على المؤسسة العسكرية لبقاء التجنيد كما هو عليه حتى يظل الإنفاق عاليا ليمتلكوا القصور و الأموال و الحصانه في مصر المدنية !
هناك من سيسألني إذا كنت سوف أؤدي الخدمة العسكرية المفروضة علينا جميعا أم سأتهرب منها ؟ , أحب أن أجيب بأنه نعم سوف أتقدم بأوراقي إلى التجنيد, و أمامي إختياران أولهما أنني سأحصل على التأجيل لمدة ثلاثة سنوات لأن والدي متوفي و أنا أكبر أخوتي و بذلك أصبح عائلا للأسرة , و الإختيار الثاني هو أن أخوض الإختبارات مثل الجميع إلا أنني سأحصل على الإعفاء الطبي بسبب أنني أعاني من مشاكل صحية تؤهلني للحصول على الإعفاء , الأمر هنا الذي جعلني أدافع و بشدة عن رفضي للتجنيد الإجباري كما ترى أيها القارئ ليس أنا ولكن جميع الأجيال القادمه التي ستعاني مثلما عانى من قبلنا و يعانون منه الغالبية الآن, ليس هذا فقط بل لأنني أتبع فلسفة السلامية التي تدعو إلى السلام في العالم و التسامح بين البشر و أرفض حمل السلاح حتى أفتل أخا لي في الإنسانية مهما كانت تهمته أو عداوته لي و ضد المؤسسات العسكرية في العالم ليس فقط في مصر و أيضا ضد الحروب و ما يحدث الآن من إنتهاكات ضد الإنسانية. أنا أعلم أن ما أقوله هو ضربا من الخيال و نوعا من البحث عن المثاليه , إلا أنني من حقي أن أحلم و أن أحاول تحقيق ما أحلم به.
في النهاية أنا أعتذر عن طول المقالة و إن كنت أراها ليست وافيه بالقدر الكافي و أتوجه بالشكر إلى صديقي المدون و الناشط مايكل نبيل التي تحتجزه المؤسسة العسكرية لديها إلى ترجمة مجهوداتنا و أفكارنا لتصب في حركة لا للتجنيد الإجباري التي نرصد و نرفض من خلالها كل أساليب القمع و التوجيه و الإجبار التي تقوم بها المؤسسة العسكرية المصرية بشكل مطلق و لا تجد من يتصدى لها , ولكن آن الأوان لنقف جميعا ضد عسكرة العقول و عسكرة ثورتنا التي خرجنا جميعا فيها لنهتف مدنية مدنية.
—
نسيمي: أسهل طريقة لإنشاء موقعك على الإنترنت!
8 تعليقات على في الرفض الواعي للتجنيد الإجباري
مايكل نبيل يبتسم في مسجنه.
مقالة وافية، وموضوعية، ورصينة يا هيثم.
فينك يا راجل؟
أشكرك يا أحمد على كلماتك الرائعة
هذا المقال أهديه لكل شاب عانى و مازال يعاني من مساوئ التجنيد الإجباري في مصر , وكل فرد في الحركة آمن بأهمية إلغاء السلطة العسكرية و خصوصا إلى المعترض الضميري مايكل نبيل لذلك من حقه أن يبتسم على الأقل تخفيفا لمعاناته في سجون العسكر !
مشغول ولكنني موجود دائما
No matter if some one searches for his required thing, therefore he/she desires to be available that
in detail, so that thing is maintained over here.
I’m really enjoying the design and layout of your blog.
It’s a very easy on the eyes which makes it much
more pleasant for me to come here and visit more often.
Did you hire out a designer to create your theme? Superb work!
انتم اول من تفرون من الزحف عند لقاء العدو ….الحمد لله أن معظم المصريين ليسوا من آرائكم ولن بكونوا …اطمئنوا واجلسوا فى بيوتكم منعمين مرفهين فهناك صفحات أخرى طالبت فيها البنات بالتجنيد الاجبارى ستجدون نساء يدافعن عنكم
I am actually grateful to the owner of this web site who has shared this
impressive piece of writing at at this place.
This entails plumbing work, fixing electrical fittings, and
providing various accessories for maximum pleasure and comfort.
These Lord of the Flies chapter summaries free your brain from having to figure out
what happens and allows it to examine why it happened.
You realize that your life has changed in many ways because of it.
Having read this I believed it was rather enlightening.
I appreciate you finding the time and energy
to put this information together. I once again find myself personally spending
a lot of time both reading and posting comments. But so what,
it was still worth it!